أؤمن بالحوار السياسي طريقا للخروج من الأزمات.. و أعتقد أنه النهج السليم لأن يربح المرء طاقته و وقته في مقارعة السنين و مكابرة الأيام، فالحوار الناجح يطوي المسافات ويختزل الأزمنة. ولكنه يشترط في الحوار الناجع أن لا يكون بين طرشان، فلك أن تُسمع الأصم دون أن تسمع المتصامم..
إن الإنسان الذي يحاول أن يقنعك بأن الثلج يلتهب إما مجنون أو “متجانِن”، و الذي يأمل في حوار المجانين خيرا، أكثر منه حاجة للإقامة في مستشفى الأمراض العقلية.
لقد قرأت محضر جلسة الحوار التي انعقدت في الأيام الماضية بين وفد يمثل الجنرال عزيز و وفد من ممثلي منتدى الديقراطية و الوحدة.. وقد خرجت بخلاصة سريعة:
ـ ولد عبد العزيز ليس جادّا إطلاقا في حواره مع المعارضة.
فماذا يعني أن يحاول وفد الحكومة أن يفرغ الممهدات من معناها.. و أن يعتبر أن مناضلا حقوقيا بحجم بيرام ولد الداه ولد اعبيدي ليس سجين رأي، و إنما هو سجين حق عام، و أن “على المعارضة آن تكون أحرص الناس على استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية”، و كأن القضاء لم يكن يوما دمية ماتريوشكا يتلاعب بها أطفال السلطة التنفيذية.
إننا حديثو عهد بسجني وسجن حمادة و كل قصص السجن التحكمي، التي سوّدت وجه العدالة، الذي حفر فيه جُدرِيُّ التعسف أخاديد ظلم وظلامية.
من منكم نسي سطوة الديدوار السيد ولد غيلان، الذي مسح به ولد عبد العزيز البلاط ثم رماه كما ترمى الخرقة البالية.؟..
و من منكم نسي الوثيقة السرية التي كانت تقدمي قد نشرتها لوزير عدل الإنقلابيين با آمادو تيجان وهو يدعو وكيل الجمهورية لتوريط اثنين من قادة جبهة الدفاع عن الديمقراطية، جراءَ مواقفهما المناوئة لـ”لتصحيح”..؟!
و من منكم نسي الحكم الذي أصدرته محكمة الشغل في قضية الصحفي ماموني ولد المختار، فكبحته كف السياسة الخرقاء أن يُنَفّذ.؟.
و ماذا عن فتوى يحفظو لولد عبد العزيز بأن “لاضرورة تدفعه للتصريح بمنهوباته”.؟!
غيض من فيوض استغلال القضاء، ثم يحدثونك عن حرص ولد عبدالعزيز عن استقلاله.!
وهكذا أيضا لا يخفي وفد الحكومة استياءه من حرص المعارضة على انتزاع ضمانات من ولد عبد العزيز باحترام الدستور فيما يتعلق بتحديد مأموريات رئيس الدولة، و كأنه لا مبرر لذلك، بعد أن أبرم الرئيس أمره بليل، و أسرج خيوله للمناورة و التلاعب بالدستور.
و حسب مقربين من ولد عبد العزيز فإنه ينتظر ما ستؤول إليه الأمور في رواندا مع بول كاغاميه، و بوروندي مع بيار نكورونزيزا (الذي قتل اليوم متظاهرون في الاحتجاجات على ترشحه لولاية ثالثة) و الكونغو برازافيل مع دنيس ساسو و الكونغو الديمقراطية مع جوزيف كابيلا، فلعلها أحسن حظا من فريدريك شيلوبا و بليز كامباورى. وعلى ضوء التعاطي الدولي مع مساعيهم للالتفاف على مأمورياتهم الدستورية، سيكون حينها لكل حادث حديث.
ثم يقلب وفد الحكومة الحقائق، حين يتحدث عن “الفرص المتكافئة بين المعارضة و الموالاة” في تغطيات الإعلام العمومي لنشاطاتهم.. و كأن الأمر لا يتعلق بتلفزيون “خيرة بنت الشيخان” و إذاعة محمد الشيخ ولد سيدي محمد، و وكالة أنباء يرب ولد السغير.
متى كان الإعلام العمومي في موريتانيا سوى إداة للاستخفاف بالعقول، و غسل أدمغة البسطاء وحشوها بالوهم و الافتراء.
إن ما تقوله محاضر اللقاء بين وفد المعارضة و الحكومة هو أن ولد عبد العزيز “يسرْ حسوا في ارتغاء”.. ، وهو مثل عربي يضرب فيمن يحاول الإسرار بحسو رغوة اللبن الصريح، حيث لا يمكن للرغوة إلا أن تفضح مرتشفيها، كما فضحت خرجات ولد عبد العزيز الصحفية و محضر لقاء ممثليه بالمعارضة مكنوناته.
صدقوني، سيلاعبكم الرجل، كما يُلاعب راقص “الدبوس” مُخرَاقه.. و سيغير الدستور بكم أو باستفاء “موريتانيا الأعماق”.. ولن يغادر الرجل السلطة وفيه عين تطرف..!