في عشرينيات القرن الماضي كتب العملاق الفرنسي بروست، في أطول رواية أدبية في العالم،
(À la recherche du temps perdu)
أو كما تُرجمت للإنكليزية
(Remembrance of Things Past)،
وهي 7 أجزاء وأكثر من مليون ومائتي ألف كلمة!
المهم خلال تناوله لقضية الموت، كتب أن صحيفة نشرت لقرائها أن عالِماً أمريكياً أعلن أن العالم سينتهي أو على الأقل أجزاء كبيرة منه، على نحو مباغت، وسيكون الموت هو مصير الجميع، وتساءلت لصحيفة ماذا سيتغير في حياة أو حيوات الناس قبل الكارثة؟ وسألت القراء: ماذا ستفعلون في هذه الأيام المتبقية؟
أول المشاهير الذين أرسلوا ردهم كان الكاتب أونوري بوردو، فقال إن الناس سيذهبون إلى أقرب كنيسة أو غرفة نوم، لكنه رفض الخيارين وقال إنه سيتسلق الجبال للاستمتاع بجمال الأشجار والطبيعة.
الممثلة بورتا بوفي أكدت أن الناس سيتخلون عن كل تحفظاتهم وكوابحهم في الساعات الأخيرة ما دامت ليست هناك عواقب ولا محاسبات!
أما مدام فرايا، فأكدت أن الناس لن يتأملوا المستقبل الغيبي بل سينغمسون في الملذات الأرضية،
بينما صرح الكاتب أونوري روبير بنيته الانغماس في لعبة (Bridges) ومباراة تنس أو غولف أخيرة!
أما بروست العظيم فقال: أعتقد ان الحياة ستبدو رائعة فجأة، فكروا فقط في عدد الرحلات والأسفار والمشاريع والعلاقات.. التي كانت غير مرئية بفعل كسلنا الذي يؤجلها باستمرار لثقتنا الراسخة أننا سنفعل تلك الأمور الرائعة في وقت ما في المستقبل!
سنقول آه لو أن الكارثة لا تحصل الآن إذن لزرنا المتاحف وقرأنا الكتب الممتعة ومشينا في الطبيعة وبحنا بحبنا واستمتعنا بأحبابنا وذهبنا في أسفار لرؤية العالَم..
وعندما لا تحدث الكارثة، لا نفعل أياً من هذه الأشياء ونجد أنفسنا في روتين الحياة العادية مرة أخرى حيث التكاسل يقضي على الرغبة.. والتسويف يقضي على المشاريع!
والغريب أنه بعد 4 أشهر فقط من نشر هذا الاستبيان فارق بروست الحياة بعد زكام بسيط!|
وقد تناول الفيلسوف والكاتب المعاصر (Alain de Botton) (How Proust Can Change Your Life) هذه النقاط بإسهاب أكبر وهذه خلاصته.
ولحسن الحظ لم تقتصر تأملات بروست على هذا الجواب الموجز على سؤال متخيل لصحيفة، بل عكف حتى وفاته على إنتاج أضخم عمل روائي حتى الآن، حاول من خلاله الإجابة على أسئلة الحياة والموت والمعنى المنشود من كل ذلك.
ومن مهمات الأدب عموما، سواء في روايات العظماء دوستويفسكي، كافكا، تشيخوف ماركيز، أورويل، وكويلو، أو حتى أشعار أبي الطيب، والمعري.. وأعمال الرومي، وابن عربي والغزالي وكامي وسارتر وكارنيغي وثورو.. كلها تعطينا أمثلة حية على كيفية عيش الحياة ومعناها ولحظاتها الصغيرة..
ورغم أن قضية هلاك العالَم قد تبدو مروعة ومقلقة إلا أن هذه الأعمال العظيمة تبعث الأمل في لفت أنظارنا ولو قليلا قبل حدوث ذك الهلاك الشخصي أو العالَمي إلى أن بإمكاننا أن نتعلم ضبط أولوياتنا قبل أن يحين وقت لعبة الغولف الأخيرة أو التسلق أو السفر الأخير والموت!
الخبر الجيد أحبتي أننا لا نحتاج لكارثة بروست ولا لفيروس كورونا ولا غير ذلك، لكي نحب الحياة اليوم والآن. بل كان يكفي أن نفكر دائماً أننا بشر وأن الموت قد يزور هذا المساء!
وأنتم أحبتي، لو أن السيناريو كان صحيحا، كيف ستقضون آخر ساعاتكم على هذه الأرض؟