ليس للنساء حدود في سعيهن لاكتساب المزيد من الجمال قديمًا وحديثًا، ولعل عادة تشليخ خدود الفتيات السودانيات قديمًا وما يكتنفها من ألم وقسوة مبرحة تكشف بلا ستار عن الرغبة في فعل كل شيء في سبيل جمالهن.
ويقدّم الباحثون تفسيرات عدة لأصل وتاريخ هذه العادة عند السودانيين قد لا يسندها أي دليل ولا برهان. ولكن الثابت في الواقع والمجتمع السوداني قديمًا هو قيام النساء الكبيرات والأمهات في الأسرة بتزين بناتهن بشلوخ على أشكال مختلفة بل حتى طلب الفتيات الصغيرات حينها لعمل هذه الشلوخ إذا ما وجدن تقاعسًا من الأسرة في ذلك إذ كن يعتقدن أنها تخلب الألباب.
الشلوخ هي عادة سودانية قديمة كانت تجرى للفتاة للدخول إلى مرحلة النضج وفقًا للمعايير الاجتماعية السائدة حينها، وهي جروح ترسم في الخدود على جانبي الوجه أو على الصدغ (طولية أو عرضية). تاريخيًا، انفرد السودانيُّون بعادة الشلوخ، وتختلف هذه العادة من قبيلة لأخرى، فيما توجد نفس هذه الشلوخ في جنوب السودان لكنها توضع في الغالب في الجبهة.
حاليًا توقفت هذه العادة إلا في القليل من البقاع الريفية النائية. ويعتقد بأن هذه العادة مرتبطة بتاريخ الرق القديم إذ لا يمكن إمكانية إزالتها بمثابة إثبات انتماء حي لا يقبل خرقه حيث يضعها السودانيون أساساً للتمييز بين قبيلة وأخرى. وتعتبر أيضًا مظهرًا من مظاهر التجميل والزينة لوجه الفتاة على نحو ما كان سائدًا حينها، وتقوم بها في الغالب امرأة معيّنة.. تحمل الموس الحاد وتخط خطاً على جبين الفتاة لتكمل ستة أو ثمانية أو عشرة خطوط بطول الخد، حتى تكتمل العملية المؤلمة وسط الصراخ والألم وبعد ذلك تغسل الجروح ويوسّع كل واحد منها ثم يلصق عليه القطن المشبع بالمحلبية والقطران ويزداد الألم، وتعاني الفتاة عدة أسابيع من الألم نتيجة للحمى الشديدة وتورم الخدود ويكون سرور الأهل عظيمًا كلما كانت الشلوخ عميقة وعريضة في خدود البنت اليانعة، وعلى الرغم من خطورة هذه العملية إلا أنها كانت تعتبر ضرورية لزينة وجمال المرأة السودانية وتفيض الأغاني الشعبية لشعراء ذلك الزمن بالنماذج التي تغنّت بجمال الشلوخ.
ولكن انتشر الوعي وتحرّرت المرأة السودانية من هذه العملية. والشلوخ عادة عربية وسمة تميّز العرب عن سواهم من الشعوب الوطنية الأخرى كالنوبيين ومن نزحوا إلى السودان خلال القرن التاسع عشر كالمصريين والشوام والأتراك، ولم يعثر على إشارة صريحة لانتشار عادة الشلوخ بين العرب في جزيرتهم لكن العرب يستعملون ألفاظاً أخرى للدلالة على عمليات شبيهة بالشلوخ كالفصد والوسم والوشم واللعوط والمشالي.
ولفظة "الشلخ" وردت في تاج العروس بين جواهر القاموس، وفيها أن الشلخ هو الأصل والعرق (ونجل الرجل)، والشلخ عند العامة لحاء الغصن والشجرة.
والمناطق الشمالية من السودان هي الأكثر تمسكاً بهذه العادة، وتنتشر الشلوخ ذات الخطوط العمودية الثلاثة وكذلك الخطوط الأفقية، وهذه الشلوخ منتشرة في هذا الوقت عند قبيلة (المحس) وشلوخهم طويلة ورفيعة، وعند قبيلتي (الدناقلة والبديرية) تكون الشلوخ طويلة وعميقة وعريضة تملأ سائر الخد.
وفي واقع الأمر؛ فإنه مع التزام القبيلة بشلخ واحد على صورة معينة؛ فإن الشكل النهائي لذلك الشلخ يختلف في بعض تفاصيله عن بطن لآخر وحتى بين أفراد الأسرة الواحدة ويرجع ذلك إلى الطريقة التي يختارها (الشلاخ)، من يقوم بعملية الشلخ، وعادة ما تجري الشلوخ للذكور في سن مبكرة لا تتجاوز الخامسة على الأرجح وتؤخر قليلاً عند الإناث حتى تتفتح معالم الوجه ويكتنز لحماً حيث يسهل على (الشلاخ) اختيار الصورة المناسبة للشلخ.
الشلوخ المشهورة في السودان
الشلخ ذو الثلاث خطوط عمودية، وهو ينتشر عند قبيلة (الجعليين) في شمال السودان، وكذلك هناك شلخ (السلم) ذو الدرجة الواحدة وهو كالحرف (h) بالحروف الإنكليزية، ومن شلوخ الجعليين أيضاً (الواسوق) وهو كالحرف (t) ويسميه البعض (درب الطير)، وقد اكتسب هذا الشلخ مفهوماً طائفيًّا فيما بعد.
وتنفرد قبيلة (الشايقية) في السودان بشلخ خاص بهم وهو عبارة عن ثلاثة خطوط أفقية متوازية يمتد أوسطها من عند الفم حتى أقصى الخد. أما قبيلة (العبدلاب) في شمال السودان الغربي فلنسائها شلخ خاص بهن، عبارة عن ثلاثة خطوط عمودية تسند على خط أفقي يسمى "العارض"، ومن نساء قبيلة العبدلاب انتقل العارض إلى المناطق الأخرى حيث فضلته كثير من النساء على سواه لجمال منظره.
وفي المنطقة الوسطى من حوض وادي النيل انتشرت الشلوخ ذات المدلول القبلي ثم انتقلت إلى بعض الأقاليم الأخرى عندما هاجر ممثلو القبائل سعياً وراء الرزق والتجارة فحملت الشلوخ معها ومنها انتقلت لمجموعات على سبيل التقليد أو نتيجة الاختلاط وارتباط عادة الشلوخ بأنها مؤشر قبلي، ما لم يقلل من المضمون الجمالي للشلوخ، خاصة عندما قلّت الحاجة للتمييز بين القبائل لاستتباب الأمن ونتيجة التداخل بين جماعاتهم القبلية، اكتسبت الشلوخ مفاهيم جديدة، منها الجمالي ومع أن النساء كن في مبدأ الأمر يلتزمن بتلك الشارات القبلية كالرجال تماماً، إلا أن قلة تعرّضهن للأخطار وهن في (الحضر) وعدم خروجهن خارج حمى القبيلة جعل الاحتفاظ بالشلوخ ذات المفهوم القبلي أقل ضرورة لهن.
ولكن تجريح خدود النساء بتلك العلامات القبلية مع ما تحدثه من تشويه لخلقة الخالق، قد خلقت نوعاً من الاعتقاد بين عامة الناس بأنها تضفي حسناً وجمالاً على المرأة بل تكسب وجهها سحراً.
وترى الباحثة في المجال الاجتماعي نعمة كمال أن ظاهرة الشلوخ بدأت في الاندثار وأن فتاة اليوم ترفض هذه العادة التي لا ترى فيها أي نوع من الجمال واعتبرتها عادة قديمة جدًا.
الخرطوم - عادل أحمد صديق