بدأت مختلف الدول الإفريقية تستشعر تحديات المرحلة، و الخطر الداهم لفيروس كورونا، في ظل تزايد عدد الإصابات المؤكدة وأولى حالات الوفاة. وسط تساؤلات حول قدرة المنظومة الصحية الإفريقية التي تعاني نقصا فادحا في الأطقم الطبية المؤهلة والمعدات وحتى الأموال الكافية لمواجهة هذا الوباء.
السرعة التي انتقل بها فيروس كورونا من وسط الصين بأقصى الشرق، إلى غاية أقصى الغرب الأمريكي في كاليفورنيا خلطت " الأوراق الصحية " لكل الدول التي عجزت عن أخذ احتياطاتها وبقيت في موقع المتفرج . وينظر العالم إلي الحالة الإفريقية بكثير من الخوف إذا ما استفحل فيها الوباء. ذلك أن انتشار الفيروس في إفريقيا قد يعزز فرص "عودته "إلى مناطق أخرى من العالم الذي سيجد نفسه حينها يدور في حلقة مفرغة.
المخاوف الإفريقية عبر عنها الرئيس السنغالي ماكي صال عندما تحدث لشعبه بكثير من الصراحة قائلا لدى إعلانه حالة الطوارئ وحظر التجوال في البلاد "إنني أقولها علانية بأن الوضع خطير جدا ونحن لسنا مستعدين"، وهو تأكيد علي أن الدول الإفريقية غير مستعدة لمواجهة تداعيات هذا الفيروس وتحدياته المرهقة. وهي التي تجد صعوبات كبيرة في تلبية المطالب العادية والضرورية لشعوبها في ساعة الرخاء.وهذا اعتراف ضمني بأن إفريقيا ستكون الحلقة الأضعف في المعركة المفتوحة ضد وباء "كوفيد- 19" في حال اقتصر الأمر على ترقب ما يخفيه المستقبل، وبقي اهتمام مختلف دول العالم منصبا على أوضاعها الداخلية، وهي أنانية حذر منها الوزير الأول الإثيوبي آبيي أحمد الذي طالب مجموعة العشرين التي تعقد قمتها اليوم بتخصيص ما لا يقل عن 150 مليار دولار لمواجهة الطوارئ التي قد يحدثها الفيروس في إفريقيا بالنظر إلى وتيرة انتشاره.وفي أكثر من مناسبة أعربت منظمة الصحة العالمية (WHO) عن القلق بشأن تفشي فيروس كورونا في القارة الإفريقية ، التي تفتقر أنظمتها الصحية. إلي ابسط المعايير.و حسب المنظمة الدولية لا تتوفر دول القارة السمراء على أنظمة صحية قادرة على مواجهة هذا الوباء سريع الانتشار.
وظهر الفيروس في 55 دولة افريقية حتى الآن. حيث سجلت 8020 إصابة وأكثر من 340حالة وفاة، وفقاً لما أعلنه المركز الأفريقي للسيطرة على الأمراض ومنعها ومقره أديس أباب. و تبقي جنوب إفريقيا رغم تقدمها الظاهر في طليعة الدول الإفريقية التي سجلت أكبر عدد من الإصابات، وتعتبر دول المغرب العربي و مصر من ضمن الدول الأكثر تسجيلا للإصات في شمال إفريقيا إفريقيا .
وللحيلولة دون تفشي الفيروس، اتخذت حكومات الدول الإفريقية إجراءات تقليدية سبقتها لهال كل الدول التي مربها الوباء كغلق الحدود ،وتعليق الرحلات الجوية باستثناء طائرات الشحن والرحلات الطبية، فضلا عن غلق المدارس والجامعات وأماكن العبادة. وإلغاء الأنشطة الرياضية، والتظاهرات الثقافية وفرض حظر التجول.
وترزح معظم الدول الإفريقية جنوب الصحراء تحت ظروف اقتصادية واجتماعية وبيئية وصحية ضاغطة، ومناسبة لتفشي فيروس كورونا، بسبب تردي البنية الصحية، وانتشار الفساد السياسي والمالي، وفوضي الصراعات المسلحة، وغياب سلطة الدولة في مناطق واسعة. ينضاف إلي ذالك سيطرة العادات والعقليات الاجتماعية المساعدة في انتشار المرض . وتبقي المخاطر كبيرة، إذا وصل المرض إلى المناطق الأشد فقراً وألأكثر ازدحاما في القارة، مثل تجمعات اللاجئين فإن عوامل الظروف المعيشية البائسة والازدحام ستجعله ينتشر بسرعة بين الناس.
وحسب المركز الأمريكي لمراقبة الأوبئة ومقره أتلانتا، فإن إفريقيا ورغم تجربتها المريرة مع الأوبئة لا تبدو مستعدة لمواجهة وباء فتاك مثل كورونا.وتؤكد التقارير أن المستشفيات في أنحاء القارة مثقلة أصلا بحالات سوء التغذية، وضحيا الصراعات ت المسلحة، وأمراض الحصبة والملاريا، والكوليرا وغيرهما من الأمراض المعدية المميتة. ورغم ذالك يسود تفاؤل لدى سكان البلدان الإفريقية تغذيه العادات الاجتماعية، والمعتقدات الروحية، وتتبناه أحيانا بعض السلط السياسية. مفاده أن إفريقيا محمية من هذا الوباء، وأن سكان القارة تشكلت لديهم "مناعة" راسخة ضد تفشي الفيروسات المستجد ة والقاتلة بفضل الإيمان أولا ، وتعاطي السكان في أوقات سابقة لأدوية الملاريا، والحمى النزفية، وحمي الوادي المتصدع، والإيبولا، وكلها تشترك في نفس الأعراض تقريبا مع كورونا ومن بينها الحمى والالتهاب والسعال والإرهاق.
سيناريوهات ممكنة
هناك عدد عدا من السيناريوهات يمكن أن تتبنها الدول الإفريقية حسب مواقعها في صراعها مع وباء كورونا
السيناريو الأول هو تبني نظرية «المناعة الإفريقية " الذي يقود إلي انتشار الوباء في القارة ،وهو ما حذر منه بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت الذي أكد أن وصول فيروس كورونا إلى القارة الأفريقية سيكون أكثر دراماتيكية مما لو كان في الصين ،ويمكن أن يطغى على النظم الصحية ضعيفة التجهيزات و سينتشر سريعا ويؤدي إلى قتل 10 ملايين شخص .وستستمر القارة في الانتقال من مأساة إلي أخري ومن وباء إلي أخر.
السيناريو الثاني هو إعلان الدول الإفريقية منذ البداية عجزها عن مواجهة الوباء. والتحجج بضعف الوسائل و غياب الإمكانيات ،وجعل وباء كورونا فرصة أخري " للتسول " للحصول علي أموال الغرب والوكالات الدولية. وستكون عواقب ذالك وخيمة ومأساوية على إفريقيا والأفارقة والعالم.
السيناريو الثالث هو أن تقطع إفريقيا مع ثقافة التسول وتقتنع أن العالم مشغول "بمصائبه" وتعتمد إستراتيجية جدية لمجابهة الوباء تعتمد أولا علي إمكانياتها الذاتية، وتعبئة مواردها المحلية، البشرية والمادية وتستفيد من خبراتها في مواجهة الأوبئة، وتضع خطة مشتركة تتولي مفوضية الاتحاد الإفريقي تنسيقها. تهدف إلى حماية الأفارقة ومجابهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لوباء كورونا ..
عوامل انتشار الوباء
تتوفر في إفريقيا كل العوامل المساعدة علي انتشار وباء كورونا.فبالإضافة إلي البنية الصحية الهشة وغير المهيأة
يحول الفقر والتخلف وغياب التجهيزات دون الفحص والكشف عن الأمراض والأوبئة، وقبل شهر من الآن لم تكن إفريقيا تتوفر علي أكثر من مركزين لتشخيص الإصابة بمرض كورونا،
المشاكل البيئية: تعاني إفريقيا من تدهور المحيط البيئي ،الذي أدي إلي التصحر، وخلق أزمة حادة في إمدادات المياه الصالحة للشرب. و تلوث الهواء بسبب استخدام الوقود والخشب للطهي حتى في المناطق الحضرية وهو ما يسبب انتشار الأمراض الصدرية وأمراض الجهاز التنفسي.
ضعف المناعة بسبب سوء التغذية، وندرة الموارد الغذائية الضرورية للصحة العامة .وحسب منظمة الصحة العالمية يعاني 40% من سكان القارة من ضعف الإمدادات الغذائية نضفهم من كبار السن.
وعرفت إفريقيا العقود الثلاثة الأخيرة عددا من الأوبئة تراوحت من ألحمي النزفية، وحمي الوادي المتصدع ،إلي جائحة ايبولا وانتشار الإيدز والسل والملاريا. وتواجه إفريقيا بشكل خاص الأمراض المنقولة وتلك الناتجة عن التدهور البيئي و تغيرات المناخ وسوء التغذية.
.ولمواجهة هذه الأمراض، أقرّ رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في مؤتمر قمة أبوجا المنعقد في نيجيريا "يوليو (تموز) 2017" إنشاء مؤسسة متخصصة "لدعم الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي في جهودها الرامية إلى تعزيز النظم الصحية، وتحسين المراقبة والاستجابة لحالات الطوارئ والوقاية من الأمراض المعدية" وبناء على ذلك، أُنشئ مركز مكافحة الأمراض في أفريقيا رسمياً في 31 يناير (كانون الثاني) 2017 في أديس أبابا بإثيوبيا، وتبني خطة خماسية للوقاية من الأوبئة والأمراض المتنقلة، ولكن فاعلية هذا المركز محدودة بسبب عدم تعاطي الدول وتجاوبها مع المشاريع التي يقدمها، وبسبب اعتماده على التمويل الخارجي الذي لا يكون متوفر دائما.
الوقاية المستحيلة
تعتمد الوقاية من وباء كورونا حتى الآن على إجراءات احترازية بسيطة . ولكنها تعتبر ترفا في العديد من المجتمعات الإفريقية التي تعاني ويلات اللجوء والحروب الأهلية. حيث يتكدس الناس في مخيمات اللجوء الممتدة من مالي في غرب إفريقيا إلي الصومال في منطقة القرن الإفريقي.
وتعتبر مطالبة الناس بالعزل الذاتي في المنزل عملية مستحيلة في كثير من المجتمعات، حيث تعيش عائلات كبيرة مكدسة في غرفة واحدة،وتتشارك مع كل سكان الحي في حنفيات الماء والمراحيض العمومية. وتعيش على ما تكسبه من العمل اليومي. كما أن حث الناس الذين لايستطيعون شراء الصابون وليست لديهم مياه نظيفة جارية على غسل اليدين عدة مرات في اليوم يعتبر ضربا من العبث بالنسبة للكثيرين.
ورغم حالة القلق التي تسود الأوساط الطبية والعلمية الدولية علي الوضع الإفريقي، تأمل بلدان افريقية عديدة في أن تساعد خبرتها في التعامل مع أوبئة سابقة نظامها الصحي على التعامل مع وباء كورونا.ولكن تفشي الوباء سيضع الدول الإفريقية نفسها في مواجهة الحقيقة، وهي أن الأنظمة لم تستثمر في ما ينفع الناس. وانشغلت بالصراعات السياسية والعرقية ، وإذكاء النزاعات المسلحة. وستكتشف أن الإجراءات التقليدية مثل إغلاق الحدود، وفرض حظر التجوال، ووقف الدراسة، ومنع التجمعات وإغلاق المساجد والكنائس؛ لم تعد كافية لمواجهة انتشار الفيروس بعد تجربتها في أوروبا . وستظهر الحاجة إلى إجراءات غير التقليدية لم تكن القارة الإفريقية مستعدة لها، ولم تضعها في الحسبان ،مثل أنظمة الرصد، والوقاية والإنذار المبكر،وإدارة الكوارث . والاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الأشياء وإدارة البيانات. وسيكون علي إفريقيا إعادة النظر في أولويتها التنموية في مرحلة ما بعد الوباء لتضع السلام، والصحة، والتعليم ،والرفاه الاجتماعي في أول السلم. وسيكون علي الاتحاد الإفريقي العمل علي إسكات البنادق في إفريقيا، وإعادة توطين النازحين واللاجئين، وإعادة الاعتبار للبيئية الطبيعية والاجتماعية للناس حتى تتمكن إفريقيا من كسب تحديات المرحلة..