سؤال تختلف فيه الإجابات حسب التموقع، وزاوية النظر للأحداث، ودرجة البعد والقرب من فهمها الفهم الدقيق الخالي من المؤثرات غير الموضوعية..
الواقع والمصلحة يقولان إن المصالحة مقابل الأرض والسلام أفضل بكثير من العنتريات والشعارات الجوفاء التي أوصلت القضية لطريق مسدود، وفرّقتْ داعميها بين مُحبطٍ لا يرى بصيص أملٍ في عودة الحق لأصحابه، وبين مُتاجر بها في سوق النخاسة الإقليمية والعالمية، والنتيجة تراجعُها في سلم الاهتمامات العربية والدولية.
الحقيقة أن الإمارات تضع نفسها في مركز المسؤولية العربية، و بذلك فهي تقبل على نفسها أي مخاطرة من أجل تسريع تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه كاملة.
النظر بواقعية للتعامل الدبلوماسي العربي مع إسرائيل يوضح أن العرب أكتفوا بكونهم أصحاب حق، ولم يبذلوا جهدا كبيرا في جعل الشعب الإسرائيلي يتوق للسلام معهم، وذلك بتقديم محفزات إيجابية تجعل السلام مطلباً شعبياً في إسرائيل التي ينظر سكانها للعربي على أنه عدوٌ أزليٌ للتعايش مع الآخر، وبالتالي يتعين أن تجد هذه المحفزات طريقها للتسويق بإقامة علاقات اقتصادية تستفيد منها الشعوب، وهنا مكمن قوة الخطوة الإماراتية .
تسعى الإمارات من خلال هذه الخطوة إلى محاولة الضرب في عمق العقلية الإسرائيلية، وتستهدف تغيير أفكار الرأي العام الإسرائيلي الذي سيرى في السلام مع العرب نفعاً أكثر من مصادرة مزيد من الأراضي الفلسطينية.
ومن هذا المنطلق تضع لإمارات استثماراتها وثقلها الدبلوماسي في خدمة القضية الفلسطينية كحافز إيجابي لدفع إسرائيل باتجاه تقديم تنازلات للفلسطينيين، وتتسلح أبوظبي ، في مواجهة المزايدين على هذا التوجه بتاريخ حافل بالمواقف الداعمة للقضية الفلسطينية، وباستعداد دائم لتقديم المزيد، بدليل تحملها اليوم مسؤولية تحريك مياه السلام الراكدة ، ولعب دورٍ ريادي في القضية، لأجل بلورة وعيٍ عربي بضرورة منح إسرائيل تلك المحفزات الايجابية..
وكما كانت الإمارات سنداً دائماً وظهيرا للفلسطينيين، هاهيّ اليوم تتخذ خطوة شجاعة أثمرت لدى الوهلة الأولى وقف ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، والذي كان سيوقف مسار السلام إلى الأبد ما سيزيد إسرائيل قوة، حيثُ لا وازعَ ولا رادع لها في اللحظة العربية الراهنة، ويزيد السلطة الفلسطينية ضعفا وتآكلا، حيثُ لا نصير في الإقليم لغير الانقسام الفلسطيني، ولحاجة في نفس يعقوب .
ما تحتاجه القضية الآن ليس سوى خطوة شجاعة من السلطة الفلسطينية بالعودة لطاولة المفاوضات، مُتسلحةً بالدعم الدبلوماسي الإماراتي القوي، وُمُستندةً لمحور الخير العربي، الداعم للقضية الفلسطينية، بهدف الوصول لحل شامل وعادل لها، لا المتاجرة بها وتكبيلها بأغلال قاتلة.
وحتى وإن كان الرد الفلسطيني الرسمي على مسعى السلام الإماراتي سلبيٌ للغاية، إلا أن الفرصة سانحة دائماً، بالتعويل على حلم شيوخ الإمارات، الذين لاهم لهم سوى العمل للمساهمة بحلول شاملة لجميع مشاكل وأزمات العرب وخصوصا قضية فلسطين وشعب فلسطين.
العديد من الدول العربية أسست علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، غير أنها المرة الأولى التي تحصل فيها دولة عربية على نتيجة ملموسة للقضية الفلسطينية مقابل علاقاتها مع إسرائيل، سواء كانت تلك العلاقات في السر أم في العلن.
لا أحد من حقه المزايدة على الإمارات، إن لم يُقدم تضحيات مماثلة لتضحياتها أجل فلسطين والعرب، وستبدي الأيام لدعاة السلام الحق وللمزايدين أيضاً وللإنسانية أن خطوة الإمارات اليوم بإقامة علاقات اعتيادية مع إسرائيل ستخدم حلاً عادلا وشاملا للقضية الفلسطينية، إن عاجلاً أو آجلاً. وهي تنطلق في ذلك من كونها دولة سلام تتصرف بحكمة ودراسة ودراية وبعد نظر، وتأوي إلى ركن شديد من الاحترام والتقدير في العالم المُحب للسلام.
لا يعادي الخطوة الإماراتية الحصيفة والمُستشرفة لقادم مآلات القضية، غير الذين أدمنوا المتاجرة بالقضية الفلسطينية مثل قطر وتركيا إيران، وتنظيم الإخوان الذي يخسر كل يوم جبهة من جبهات مكره بقضايا الأمة، وعند كل خسارة يزيد من حملاته المأجورة ضد الإمارات.
قمة الفشل والتخبط أن يَصُمّ إعلامُ قطر وأزلامهم الإخوان آذانَهم عماّ اقترفوه ويقترفونه يومياً لإنهاك الأمة، وأن يتغاضوا عن زواج المسيار الذي يربط قطر بإسرائيل،وعن علم تركيا الذي يرفرف في تل آبيب، وكأن قطر ليست حليفا رئيسيا لإسرائيل، وكأنّ تركيا ليست هي الشريك الاقتصادي الأول لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
الفرق بين علاقاتهم بإسرائيل وعلاقات الإمارات بها واضحٌ وجليٌ..هم ينددون ويشجبون ويدقون الأسافين بين الفلسطينيين ..والإمارات تخطوا دوماً برشد ودراسة وتخطيط وتعقل، خدمة لقضايا الأمة، وفي مقدمتها الهم الفلسطيني الذي آن له أن ينفرج.