نواكشوط – «القدس العربي»: تواصلت أمس في موريتانيا تنديدات ومطالبات بطرد المحامي الفرنسي ديفيد راجو الذي يوجد في نواكشوط منذ أيام ضمن فريق يستعد للدفاع عن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز المعتقل في تحقيقات قضائية حول عمليات فساد ونهب متهم بها في ملف أحاله البرلمان للقضاء.
ويأتي ذلك بعد إدلاء المحامي راجو بتصريحات اعتبرت «وقحة» وأثارت ضجة كبيرة في موريتانيا، أكد فيها أن «اعتقال الرئيس السابق اعتقال خارج عن القانون» و«أن المختص بمحاكمته هو محكمة العدل السامية وحدها بصفته رئيسياً سابقاً» مطالباً «بإطلاق سراحه فوراَ ودون تأخير».
وأكدت النيابة العامة، في بيان ردت فيه على تصريحات المحامي الفرنسي، أن «القضاء الموريتاني قضاء مستقل، ولا يسمح نهائياً بالتطاول عليه، من أي كان، ومهما تكن ذرائع ذلك».
وأضافت: «أدلى محاميان أجنبيان متعهدان في الدفاع عن أحد المشتبه بهم في قضايا فساد، يجري بحثها ابتدائياً، بتصريحات صحافية، تضمنت مغالطات وتجاوزات».
وقالت: «إن ممارسة الأجانب لمهنة المحاماة في موريتانيا تستوجب التقيد الحرفي بالقوانين الموريتانية، وبأدبيات وأعراف المهنة، كما أن حقوق الدفاع المصانة، لا يمكن استغلالها للإساءة إلى القضاء، وأشخاصه، ولا إلى سيادة القانون الموريتاني، وأن أي تجاوز في الاتجاه سيواجه مرتكبه جنائياً، وبالصرامة التي يقتضيها المقام».
«هذا وتؤكد النيابة العامة، يضيف البيان، أن الدفع بالحصانة وغيره من الدفوع يقدم في مواقيت إجرائية محددة أمام المحاكم المختصة، وأن القضاء هو الضامن لحقوق وحريات الأفراد، ولا ينتظر بهذا الخصوص توجيهاً من أحد».
واستمرت أمس في موريتانيا تعليقات كبار الساسة والمدونين على تصريحات المحامين الفرنسيين، حيث علق عليها القاضي محمد المختار فقيه قائلاً: «لا تنشغلوا كثيراً بتتبع سقطات محام فرنسي مستورد دفعه الغرور، وبعض الشهية ليزل لسانه فتخونه حصافة وصرامة القانوني المتمرس فيسمي الأشياء بغير أسمائها».
وقال: «لا تنشغلوا بمحام تخونه العبارة فيسمي مقابلة وكيل الجمهورية بـ«جلسة استماع» مع وكيل الجمهورية!».
وعلق المفكر الإسلامي محمد جميل منصور على هذه القضية، قائلاً: «ظهرت صفات التكبر والغطرسة والتحدي في حديث وتصرفات المحاميين الفرنسيين اللذين قدما للدفاع عن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ويلزم أن يشعر المعنيان أن موريتانيا لم تعد مستعمرة فرنسية، وأنهما ليسا سوى محاميين في ملف أحالته الجهة التشريعية بعد تحقيق برلماني شهد له بالإتقان والفنية إلى السلطة القضائية، وأنهما ليسا جهة التفسير والتأويل لما غمض أو التبس من القانون الموريتاني، إن كان ثمة غموض أو التباس».
أما محمد الأمين فاضل فكتب عن هذه القضية، قائلاً: «ليعلم ديفيد راجو بأنه مجرد محام فرنسي مغمور متعاقد مع رئيس سابق، ولا يجوز له، بأي حال من الأحوال، أن يتحدث عن قضائنا بلغة مستفزة كتلك التي تحدث بها في مؤتمره الصحافي الذي نظمه داخل منزل الرئيس السابق».
وقال: «بأي حق يسيء هذا ال «ديفيد راجو» لقـــضائنا، فيصف ما جرى حتى الآن بأنه «مهزلة قضائية»؟ وبــأن توقيف الرئيس السابق يشكل خرقاً سافراً للدستور الموريتاني، وبأن الرئيس السابق يتمتع بالحصانة».
وأضاف: «كان على ديفيد راجو أن يـــتقدم بحجج قانونية للرد على الخبير القانوني محمد محمود ولد محمد صالح، الذي فصل في الأمر، وقد قال في ندوة استضافته فيها حملة «معاً لمحاربة الفساد» بأن الأفعال المندرجة في الصلاحيات الدستورية للرؤساء لا يمكن أن يسألوا عنها عندما يغادرون السلطة إلا في حالة الخيانة العظمى وأمام محكمة العدل السامية، أما الأفـــعال التي لا علاقة لها بالصلاحيات الدستورية لرؤساء الجمهورية، فهذه يمكن أن يسأل عنها أي رئيس سابق أمام القضاء العادي».وبخصوص ما أكده ديفيد راجو من أنه سيحتج أمام السلطات الفرنسية، تساءل المدون الأمين الفاضل، قائلاً: «هل الحكومة الفرنسية هي التي بعثت دافيد راجو ليدافع باسمها عن الرئيس الموريتاني السابق؟ فإذا كان الأمر كذلك فمن حق ديفيد راجو أن يبلغ السلطات الفرنسية بأية عراقيل يلقاها خلال تأديته لهذه المهمة التي كلفته بها الحكومة الفرنسية، أما إذا كان قد جاء هنا في إطار عقد خاص للدفاع عن زبون يحمل صفة رئيس سابق، ففي هذه الحالة فسيكون السؤال المطروح: ما دخل الحكومة الفرنسية في هذا الموضوع؟
وأضاف: «لم تتوقف أخطاء ديفيد راجو عند هذا الحد بل طلب من رئيس الجمهورية أن يتدخل في ملف قضائي، وأن يأمر بشكل فوري بإطلاق سراح الرئيس السابق، وهل يستطيع أن يطلب من الرئيس الفرنسي أن يتدخل في ملف قضائي؟ ولماذا يتجاوز ديفيد راجو كل حدود اللباقة والضيافة فيتحدث عنا ومن داخل بلدنا بهذه اللغة الاستفزازية، التي لا تخلو من نبرة استعلاء واستعمار؟».
وكتب النائب البرلماني شيحان بيبه: «تعود الفرنسيون أن يحظوا في بلادنا بكثير من الاحترام والتقدير، لكن بعضهم ظنه تبعية وضعفاً فأصبح يتحدث بتكبر واستـــعلاء، وهذا ما يفسر كلام الـمحاميين الفرنسيين، ولذا يــــجب أن يتعلما الأخلاق أولاً والسلوك اللازم للأجنبي في بلادنا، وأن يدرسا المساطر القانونية الموريتانية الخاصة، وإن أرادا الحديث فبتواضع وتحفظ، وليتأكدا أن موريـــتانيا لم تعد من أراضي فرنسا ما وراء البـــحار».