إنيَّ سأرسمُ من شغاف اللحن ما وسعَ الغيابُ..
هي لوحةٌ لا نكبةٌ عن صبرها يرجى الثوابُ..
ورقٌ وألوانٌ..
سأرسمُ حارس التلّ الأخير وظلّه الغافي..
قريبا في الخصالِ،
لألثمُ الصحراءَ في ثغر الحداءِ، فإنها، وطنٌ يرتبهُ الركابُ..
إن قلتُ، أخت قصيدتي،
من كانَ ينحتُ للصخور اليومَ ألسنة فلنْ يغيّـبه الرضابُ.
والكلُّ رسمُ حكاية، تتقمصُ المحفورَ في أسفارها،
رسمٌ لأرض لا تُعمّدُ نخلها،
في الحرفِ ما تنفكُّ... ترتابُ المدينة،
في هسيسِ ظلالها.. فلمَ النقابُ؟.
ألوانها، أنغامها، ضوضاؤها...
وشمُ الحصى بخدودها..
ما لا تراهُ، وقد تقمصهُ الرُّهابُ..
مزنٌ يحلقُ في سماء الله.. حرا،
طائرٌ منقارهُ عشٌّ، وجناحهُ الثلجيُّ،
في اللالونِ،
يرسمُ للصهيل مقامهُ العالي،
وللطفل اليتيم سنابلَ النغمات،
في قوس المدى، حتى تـقـرّ به الربابُ.
المزنُ فوق مدينة الأحزانِ غربانٌ، تحلقُ، لا سحابُ..!
وأساور الربوات قمحُ ملامح أمسى يدابرهُ الإيابُ.
لما رآني الحزنُ قرة عينه..
قالتْ ليَ الأوتارُ: "جفتْ في أظافرك الحرابُ".
فإذا وهبْتَ الرمل أغنية الحقول ستستبدّ بك القبابُ..
إنْ بحتُ كالحلاجِ..
والشعراءُ ملحُ الريح،
ضوء الروح،
وجهُ العشب، ما ابتسمَ الخرابُ..!
عاد الرماد يؤبّنُ "الحلاجَ"،
كمْ أوحى لأحباب الكرى..
جفني نبيذا في مساءات التعريّ،
كلُّ أغنية سلالتها النخيلُ وإن تعتبني العتابُ..
في الجانب الأعلى لجمر اللوحة الثكلى أمامي
تحملُ الأمواجُ رمل الأغنيات..
وفي سديمِ الرمل،
ملاحٌ يغنيْ دونَ صوت الشمع،
قال لهُ الشراعُ:
لو أنّ القصيدة والمدينة تشبهانِ مرافئ العنقاءِ..
ما صدحَ الهديرُ..
وما رأيتُ هنا:
رؤوسَ الجنّ يحملها الضبابُ.
في لوحتي، من لا يذلّ رداءهُ..
ولقدْ رسمتُ لـ"باب غور" فيوضهُ..
ولقدْ فتحتُ الشاطئ المنسيّ، حتى قامةَ جارتي،
وبظهرها، في أرخبيل الفيح، وشمٌ العرْي منسدلا..
هل الظلٌّ الأخيرُ لطائر يكفي المدينة كلها؟
وأنا أرى..
كل العصافير، التي سقطت من الميزانِ، أغواها اللعابُ..
صوتُ العصافير التي سقطتْ نعابُ..
زريابُ يعزفُ لوحتي.. وهو الوحيدُ
بآخر التوقيع،
حيث الملحُ ظلّـلُ تيمتي..
إذْ لا شيءَ يجرحني،
كفجرِ الساق، إن نامَ الحجابُ..
وكما أحبّ قصيدتي،
لا شيءَ ينسيني الشعابَ، فهْيّ غزالةُ المنفى،
هي انفجارٌ لا يعاتبني، إذا بزغ الغيابُ..
وحدي أعلّـقُ ساعةَ الدخان،
كم نارٌ تلاشى معصمُ العنقاء فيها، ثمّ نيْطَ لها الجوابُ؟
أدمٌ يجففُ حفرة؟
حتى يحدّدَ جرحهُ؟!
فإذا سُئلتُ عن الغواية.. عادَ يسلبني السبيلُ المستجابُ..
ما كان يغويني لتشهدَ لي بأوردة المرايا بـحّـةٌ..
صوتٌ وعاصفةٌ، وليلٌ، شاعرٌ، جرسٌ، دمى،
في الثوب متعبةٌ، وحول إزارها نام اليبابُ.
يا ليلُ.. إثمُ الساحراتِ خلاصةُ الأنثى
أليس لهنّ من دوني صوابُ..؟
يا ليلُ، إن لم تسأم الأجفانَ أوّلـَـك الشرابُ أو الشهابُ.
نواكشوط في: 16/05/2015