على الرغم من أن العديد من البلدان تسمح للمهاجرين بالحصول على الجنسية عن طريق الزواج، لكن الذهاب، في الواقع، للزواج فقط من أجل الحصول على الجنسية يعد أمرًا غير قانوني، وتعرف مثل هذه الزيجات المرتبة عادة باسم "الزيجات الصورية" أي أنه زواج "على الورق" ينتهي عند حصول الطرف الأول على وثائق الإقامة، ويحصل الطرف الثاني على المبلغ المالي المتفق عليه. وفي الغالب تحدث الزيجات الصورية عند زواج أشخاص ممن لا يحملون جنسية بلدان الاتحاد الأوروبي من شخص من المنطقة الاقتصادية الأوروبية (EEA)، بما في ذلك المملكة المتحدة، ويكون بمثابة وسيلة للتحايل على قوانين الهجرة، ومحاولة الحصول على الإقامة طويلة الأجل ويكتسب الحق في العمل والاستفادة من الإعانات والخدمات الاجتماعية والحصول على جميع المزايا والفوائد المترتبة من حصوله على الجنسية.
لقد تحوّل الزواج الصوري في المملكة إلى تجارة حتى ظهرت هناك جهات متخصصة في ترتيب هذه الزيجات التي هدفها الرئيسي خداع السلطات الحكومية، وقد أصبح لدى هذه الجماعات الخبرة الكافية لمواجهة المستجدات وما يطرأ من تعديلات على القانون للنفاذ بأساليب ملتوية. وكما معروف أن هذه التجارة تلقى رواجًا، في ظل استفحال البطالة والفقر في بعض بلدان الشرق. وفي بعض الأحيان يتحوّل إلى كابوس أو وسيلة للابتزاز من قبل أحد أطراف الزواج. ويتحول إلى معاناة ونهايات سعيدة والدخول في دائرة المشاكل والمحاكم، ففي بعض الحالات يختفي الطرف الذي يمنح أوراق الإقامة بعد استلامه المبلغ المالي المتفق عليه، ويتنصل من أي اتفاق أو ارتباط.
وفي حالات أخرى قد يرفض أحد الطرفين توقيع الطلاق ويتشبث بالزواج لدفع الطرف الآخر إلى زيادة المبلغ المالي، أو لإقناعه باستمرار الزواج وإنجاب الأطفال، ما يدفع الطرف الرافض لاستمرار الزواج إلى بذل وقته وجهده وصرف الكثير من الأموال من أجل الحصول على حريته حتى لو بالذهاب إلى المحاكم.
ظاهرة رغم التحذيرات
وبدا المسؤولون البريطانيون عاجزين عن فعل الكثير إزاء مثل هذه الحالات التي هناك من يقول أن 10 آلاف زيجة لمهاجرين غير شرعيين تحدث كل عام في بريطانيا. ومع ذلك إنهم حذروا من الوسائل التي يستخدمها المهاجرون للدخول إلى المملكة المتحدة، من خلال الحصول على جنسية دولة من دول الاتحاد الأوروبي، وبعدها يلجأون إلى الزيجات الصورية للحصول على الجنسية البريطانية، وتفيد التقارير التي جرى تقديمها أن نساء أيضًا من البرتغال وليتوانيا وبولندا وسلوفاكيا دفعن مقابل مادي أي مبالغ نقدي للزواج من أجل اكتساب الجنسية. وتتعدد جنسيات المهاجرين الساعين للزيجات الصورية من بينها نيجيريا وباكستان والهند وغانا والجزائر والمغرب والبرازيل وأوكرانيا والصومال وبنجلاديش. ويلجأ هؤلاء المهاجرون للزواج أو الشراكة المدنية مع مواطن من دولة أخرى بالاتحاد الأوروبي.
صحفيان وفيلم وثائقي
استطاع زميلان صحفيان من فضح زواج صوري تم ترتيبه في المملكة المتحدة من أجل الحصول على تأشيرة الإقامة في هذا البلد الأوروبي. وقامت الصحفية بالتنكر كفتاة ترغب في الزواج مقابل مبلغ مالي، لتكشف حقيقة السهولة التي يستطيع بها المهاجرون أن يجدوا طريقهم إلى المملكة المتحدة، وقد أحدث الفيلم الوثائقي الذي سجلاه سرًا عبر كاميرا خفية في أوساط الشارع البريطاني بعد أن بثته القناة البريطانية الخامسة. وفي تفاصيل فيلم الزيجات الوهمية التي يديرها وسطاء، ظهرت الصحفية تمشي في ممر الحفل وهي ترتدي أرقى ملابس الزفاف لتبدو كأي عروس لإتمام مراسيم الزواج الذي تريد فضحه. أما حفل الزفاف، ففي الواقع أن هذا كان طرفه زميلين صحفيين متنكرين (الصحفية كعروس، وصحفي التحقيقات الذي انتحل صفة أحد أقارب العروس وكان أشبه بوكيلها) مع كاميرا خفية ثبتت في باقة الورد، أما العريس فهو مهاجر غير شرعي دفع مقابل مادي للعروس لتتزوج منه.
ومن خلال ذلك أرادت الصحفية العروس هارييت موريت، وصحفي التحقيقات بول كونولي أن يكشفان سهولة الإجراءات أمام المهاجرين الذين يريدون الزواج ممن يحملون جنسية أوروبية للحصول على الإقامة. وقال الصحفي بول: من السهل جدًا القيام بذلك، إذا كان لديك الدافع والوسيلة للذهاب في الواقع من خلال زواج صوري، فكل ما عليك القيام به هو الذهاب إلى مكتب التسجيل والتوقيع عن وجود نية الزواج.
بداية الزواج إعلان ووسيطة وتمثيلية
وقد وجدت الصحفية العريس المطمئن، وهو شاب هندي اسمه علي، من خلال وسيطة للزفافات الصورية تدعى إليزابيث. ودفع 5000 استرليني للزواج من عروسه البريطانية، في حين أعطيت الوسيطة 400 استرليني إضافية. كما قدم العريس الهندي عرضًا للصحافية العروس (هارييت) 10 آلاف جنيه استرليني إضافية في حالة إنجاب طفل منه. ويقول زميلها صحفي التحقيقات بول: لقد بدأت القصة عندما عثرنا على إعلانين للوسيطة إليزابيث، الأول كان حول تقديم المشورة عن الهجرة، والثاني تقديم المشورة حول الزواج. وهي سيدة أعمال، استغلالية، قالت إنها مهتمة ببساطة بالنقد ولكن يبدو أنها كانت على عجلة لتقديم زميلتي هارييت إلى العريس. وقد حاول (هارييت وعلي) جعل العلاقة تبدو حقيقية من خلال الثمثيل وتأمين كافة الترتيبات بما فيها الملابس وطلب سيارة زفاف فاخرة ليومهم الكبير. وكان الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقف في طريق زفافهما الزائف هو المقابلة التي يجريها مسجل الزواج.
وتقول هارييت: يسألونك أشياء مثل تاريخ ميلادك والعنوان والاسم وهذه أسئلة بسيطة. ولكن بعد ذلك تم فصلنا وطرح على كل منا أسئلة فردية، كانت أكثر صعوبة وغير عادية وهي التي تولد بعض الشك. وقد سئلنا متى تعرفنا على بعضنا؟ وأين التقينا؟ ومنذ متى نلتقي؟ ومع أن هناك بعض الهنات في الإجابات ونسيان بعض التفاصيل كالعنوان البريدي لكن الأمور سارت اعتيادية ولم يشكك أحد بالعلاقة التي بينهما.
الفضيحة
وفقط في آخر لحظة، عندما طلب المسجل إذا كان أي شخص يعرف أن هناك أي عائق قانوني يمنع هذا الزواج. في تلك اللحظة، تقدم الصحفي بول كونولي، الذي تظاهر بأنه من عائلة هارييت، وكشف أن العملية صورت برمتها وأنها زواج صوري. فما كان من العريس "علي" إلا الهروب من المشهد بأسرع ما يمكن وكانت لقطات مثيرة وثقها الصحفيان المتنكران بمهارة بحيث عرضت على القناة الخامسة. ولابد من الإشارة إلى أن العريس المطمئن قد كشف عن الأسباب التي دفعته للزواج وهي الرغبة في البقاء في المملكة المتحدة.
أما الصحفية هارييت فقالت: أعتقد أن كل حالة زواج صوري مختلفة، فالبعض من الناس يشعرون بالقلق إزاء العودة إلى بلادهم لأسباب عديدة. ولكن أعتقد أن هناك خطًا رفيعًا بين الطمع واليأس. ولم أشعر بالأسف للعريس "علي" لأنه جعل الأمر واضحًا عن سبب رغبته بالتأشيرة. وهو أنه يريد البقاء من أجل نمط الحياة في المملكة المتحدة. كما كشف أنه كان يملك تأشيرة طالب، بالرغم من أنه لم يحضر إلى مقاعد الدراسة لأكثر من عامين، واعترف بأن وجوده غير قانوني. وباختصار شديد، دائمًا ما يكون الهدف هو جواز سفر بريطاني. إنه في الواقع مثل غبار الذهب
ما هو الموقف القانوني؟
مع تشديد الإجراءات لا زال الكثير من الشباب العربي يحاول أيضا الوصول بأي صورة إلى دول الاتحاد الأوروبي، فمثلا: الشاب أحمد ( 26 سنة) والمقيم حاليًا في تركيا يحاول البحث منذ أكثر من سنتين السفر إلى بريطانيا بواسطة "زواج صوري". وهناك غيره من عثر على مبتغاه بفتاة تحمل الجنسية البريطانية إلا أن الإجراءات كثيرًا ما جوبهت بالرفض بسبب نقص في معاملة طلب التأشيرة، وهذا الأمر يعني إنفاق مبالغ كبيرة وخصوصًا أنه في الأساس لا يقيم في بلده.
ويقول القانون البريطاني إن الزواج من بريطاني أو بريطانية أو شخص مقيم لا يخول تلقائيًا العيش في المملكة المتحدة، ولا يمكن الاعتماد على الزواج المدبر للحصول على إذن من سلطات الهجرة على البقاء. إن الجزء الثامن من قواعد الهجرة يحدد المتطلبات اللازمة للدخول، فإما أن يكون زوجًا أو شريكًا مدنيًا وخطيبًا أو خطيبة أو شريكًا مدنيًا محتمل. ويشمل ذلك عدة شروط وهي: أن يكون: أحد الطرفين ينوي العيش بشكل دائم مع الآخر كزوج أو زوجة أو شريك مدني ومن ثم الزواج أو الشراكة المدنية. كما أن الأشخاص الذين يحصلون على إذن كزوج أو شريك مدني يستطيعون البقاء لمدة سنتين في البداية، وفي النهاية التي قد يكون مؤهلا للتقدم بطلب لأجل غير مسمى بالبقاء في المملكة المتحدة إذا كان الزواج أو الشراكة يأمن العيش ويلبي متطلبات قواعد الهجرة الأخرى.
ضوابط وأنظمة
تنص الضوابط والأنظمة على أنه إذا كان أحد الزوجين يحمل الجنسية البريطانية، أو حاصلاً على الإقامة الدائمة، يستطيع تقديم طلب موافقة الحصول على تأشيرة شرط أن يكون الدخل السنوي لا يقل عن 18600 جنيه إسترليني، إلى جانب توفير سكن مناسب، مع ضرورة حصول المتقدم على شهادة اللغة الإنجليزية، وأن يكون التقديم خارج المملكة المتحدة، مع إثبات صحة وقانونية العلاقة الزوجية. أما إذا كان أحد الزوجين يحمل الجنسية الأوروبية، ومقيماً في المملكة المتحدة، فلا يخضع بالضرورة للشروط نفسها، فالمواطن الأوروبي لا يشترط أن يكون دخله السنوي محدداً بأكثر من 18600 جنيه إسترليني، فالدخل عبر دوام جزئي يفي الغرض. كما لا يشترط على المتقدم أن يحمل شهادة اللغة الإنجليزية، فيما يبقى توفير السكن وإثبات صحة وقانونية العلاقة الزوجية مسائل ضرورية.
ويجب على المسجلين تقديم تقرير عن الزيجات المشبوهة إلى وكالة الحدود البريطانية، ليتم إجراء التحقيق في كل حالة. وإذا تم اكتشاف أن الزواج الذي هو محل تحقيق وبحث زواج صوري، سيواجه الشخص الذي هو من خارج دول بلدان المنطقة الاقتصادية الأوروبية رفضًا للحصول على حق الإقامة في المملكة المتحدة وسيواجه إجراءات تنفيذية مباشرة. كما أن الأشخاص الذين يحصلون على إذن البقاء عن طريق الخداع هم عرضة للإزالة والإبعاد لاحقًا من المملكة المتحدة.
العقوبات والإجراءات
العقوبات المطبقة على الأشخاص الذين شاركوا في الزيجات الصورية تختلف وفقًا لظروف القضية. وقد تم إيجاد عدد من الملاحقات القضائية الناجحة ضد الأشخاص الذين شاركوا في الزيجات الصورية لارتكابهم جرائم بموجب قانون الهجرة. واقترحت تدابير جديدة لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الزيجات الصورية. وتشمل هذه التدابير وضع تعريف واضح لما هو الزواج "الطبيعي". وتم تمديد فترة قبول الأزواج أو الشركاء المدنيين إلى أن يتمكنوا من تقديم طلب للحصول تسوية في المملكة المتحدة من سنتين إلى خمس سنوات.
عن صحيفة الديلي ستار البريطانية ــ ترجمة - كريم المالكي