في ظل المحاولات الشعبية والمجتمعية والسياسية للقضاء عليها، أعلنت موريتانيا تحقيق تقدم نوعي في محاربة ظاهرة العبودية والاسترقاق، ومخلفاتها التي لا تزال قائمة بشكل أقل.
وقال مفوض حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني في موريتانيا، أحمدو ولد أحمد سالم ولد سيدي، إن بلاده حققت نقلة نوعية في مجال محاربة الاستغلال والعبودية.
وقال مراقبون إن هناك جهودًا حكومية كبيرة لمجابهة ظاهرة العبودية، إلا أن بعض الآثار لا تزال موجودة في المجتمع بأشكال وصور مختلفة، أهمها الفقر والجهل والتهميش.
قفزة نوعية
وأكد ولد سيدي أن هذه الجهود التي بذلتها موريتانيا في هذا السياق، كانت محل اعتراف وتقدير من طرف الشركاء والفاعلين على المستويين المحلي والدولي.
وأضاف أن الإجراءات التي اتخذتها موريتانيا في هذا المجال والتي عززت المنظومة القانونية والمؤسسية المتعلقة بمحاربة هذه الظاهرة، شملت المصادقة على أهم الاتفاقيات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان، وإقرار القانون المجرم للعبودية والمعاقب على الممارسات الاسترقاقية، وإنشاء محاكم متخصصة لمحاربة الممارسات الاسترقاقية واعتماد المساعدة القضائية.
وأكد مفوض حقوق الإنسان في موريتانيا، أن قطاعه بلور خطة عمل وطنية للقضاء على الاتجار بالبشر، تأخذ بعين الاعتبار جميع أشكاله بما في ذلك العمل القسري، لافتا إلى أن العمل يجري حاليا على في إطار هذه الخطة على إعداد دراسة سوسيولوجية متخصصة حول ظاهرة العمل المبكر والقسري تسعى إلى تشخيص أسبابه ومظاهره واقتراح الحلول المناسبة للقضاء عليه.
جاء ذلك، خلال لقاء نظمته مفوضية حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني بالتعاون مع مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ناقش مختلف القضايا المتعلقة بتنفيذ القانون المجرم للعبودية والمعاقب للمارسات الاسترقاقية في موريتانيا.
تسجيل بعض الحالات
اعتبرت سهام حمادي، الباحثة والناشطة الموريتانية، أن الدولة تبذل جهود كبيرة من أجل القضاء على ظاهرة العبودية المنتشرة في موريتانيا، وذلك من خلال خلق مشاريع لدعم الفئات الهشة والمنحدرين من أباء عانوا من العبودية.
وبحسب حديثها لـ "سبوتنيك"، رغم الجهود الحكومية والتشريعية المتمثلة في قوانين البرلمان، لا تزال هناك بعض الآثار من ظاهرة العبودية في موريتانيا.
وأشارت إلى أن المنظمات الفاعلة في هذا المجال، تسجل من وقت لآخر بعض الحالات التي تعاني من عبوية، وذلك رغم وجود محاكم خاصة بالعبودية، وقانون يجرمها.
جهود مجتمعية
بدوره اعتبر الدكتور أباب ولد بنيوك، عضو مجلس النواب الموريتاني، أنه لا يمكن الحديث اليوم عن وجود العبودية في موريتانيا أي العبودية الفعلية التي تعني استعباد الإنسان لأخيه الإنسان.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، تجاوز المجتمع الموريتاني هذه الظاهرة نتيجة لعدة عوامل، أهمها القوانين التي تم تشريعها والتي تجرم أي نوع من ممارسة الاسترقاق.
وتابع: "وكذلك بفضل الحراك المدني والشعبي القوي الذي وقف أمام هذه الممارسات، وأيضا الإجماع الوطني والسياسي والحقوقي حول مجابهة هذه الظاهرة بشتى الطرق".
ورغم ذلك، يرى البرلماني الموريتاني أن هناك مخلفات للعبودية والاسترقاق لا تزال قائمة في صور وأنماط مختلفة، تتعلق بالفقر الذي يعاني منه الفئات الأكثر تأثرًا، وكذلك بسبب انتشار الجهل.
المنظومة التشريعية
في السياق ذاته، يرى يحيى أحمد الوقف، عضو البرلمان الموريتاني، والوزير السابق، أن هناك جهودًا كبيرة مبذولة في هذا المجال، تجسدت في المنظومة التشريعية وذلك من خلال دسترة تجريم العبودية واعتبار ممارستها جريمة ضد الإنسانية وكذا قوانين عدة تجرمها.
وبحسب حديثها لـ "سبوتنيك"، تم إنشاء محاكم مختصة لمجابهة ومعاقبة ممارسي العبودية، وكذلك حددت عقوبات قاسية ضد كل أشكال ممارستها.
ويرى أن الواقع اليوم يؤكد أنه لم تعد هناك ممارسة فعلية للعبودية إلا أن لها مخلفات كثيرة نتيجة للغبن والتهميس التاريخي.
وأكد أن الحكومة تعمل على القضاء على هذه المخلفات من خلال برامج موجهة وتميز إيجابي لصالح هذه الفئة من المجتمع والعمل كذلك على المزيد من العدالة الاجتماعية والإنصاف لهذه الفئات.
وألغت موريتانيا الرق بمرسوم رئاسي عام 1981، وقام "عرب البيظان" (ذوو البشرة البيضاء) بتحرير عبيدهم "الحراطين" (اختصار لكلمتي الحر الطارئ).
وفي عام 2007 وبضغط من المجتمع الدولي أصدرت الحكومة قانونا يجرم العبودية، وبعد خمس سنوات تمت إضافة ترسانة من القوانين لهذا القانون تهدف إلى حماية حقوق الإنسان والقضاء على مخلفات الاسترقاق وإنشاء محاكم خاصة بجرائم العبودية، وفي مطلع عام 2015 أصدرت الحكومة قانونا يصنف الجرائم المرتبطة بالاسترقاق كجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.