في فيلم "المتطرف" للمخرج سيدي محمد الشقير، يتيه البعض في بحثهم عن ربط المشاهد المبعثرة، ويحاولون جاهدين أن يجدوا صلة القرابة، والوصل، بين الأحداث المتفرقة، فلا يقدرون.
ففي غرفة مظلمة وعلى كرسي واحد يجلس موقوف يتعرض للاستنطاق من طرف عنصر أمن، وفي سيارة "آخر موديل " يمضي مراهقون في طريقهم لإيصال رفيقهم، الذي يعيش حياته مثلما يشاء.
وفي البيت المترف، تتجلى البيئة الموريتانية، نعم، نحن في نواكشوط، يسئم والدا المراهق من تصرفاته وعيشه حياة لا تناسب سمعة أهله، فيقررا أن يرسلاه إلى "محضرة" وهي مدرسة دينية بعيدة يتعلم فيها، عله يسمح لنفسه بأن يزن حياته من جديد، بميزان الاستقامة.
سليمان، يودع أهله ويشق طريقه نحو الصحراء مثلما خيروه له، الزهد والتقوى، التواضع والبساطة، ظاهر المدرسة التي تحفظ القرآن للفتيان.
فجأة تتوقف المشاهد هنا، نحن في المدينة، المارة كثر، أحدهم يسلم آخر حقيبة يد، في خفية، أصوات التفجيرات تنبعث من نشرات أخبار التلفزيون في بيت أهل سليمان، وتؤرق البلدة، موريتانيا.
مدارس الصحراء
وفي البيداء، يرخي الليل سدوله، وينزوي سليمان قرب مدخل باب غرفة، يرقبه أقرانه من بعيد، البعض منهم منشغل في السمر، وفي لمح البصر يهجم شيخ المدرسة على سليمان فيحمله من قفاه ويدخله إلى الغرفة.
بين صدمة الاعتداء وفاجعة البعد عن البيت، يغرق سليمان، ويسلم عقله وروحه للتطرف، فكان " المتطرف" الذي يرجع إلى بيته فيجد أمه تشاهد الموسيقى على شاشة التلفزيون، يطفئ الجهاز ويكسر اللوحة التي كانت معلقة على الحائط، يصرخ بشدة "هذا حرام".
تحديد مسار "المتطرف"
لا يبدو الأمر صعبا على أهل سليمان، ولا مقلقا، يعلمون أن ابنهم تحول أخيرا إلى إرهابي، هم ينتظرون خبر اعتقاله أو قتله على نشرات الأخبار.
مثلما تبدو تساؤلات والدة سليمان التي تطرحها في كل مرة على والده: "هل قتلوا سليمان؟ هل اعتقلوه؟"، كأنها تريد أن تستعجل نهاية الفيلم.
ينجح شقير بدهاء في ربط المشاهد المبعثرة التي أصابت الجمهور بالصداع، ولم يجد وسيلة الربط بينها إلا في اللحظة التي أرادها المخرج وحده، فكانت النتيجة، عمل جديد، يثير الجدل حين يضع المخرج، مسار الفيلم على سكة اتهام العائلة والمدرسة المتشددة في إنتاج "المتطرف" ويهمل " الدولة" ويغيبها عمدا، فلماذا هذا " التطرف" في تحديد المسار؟ يجيب المخرج لـ"العربية.نت": "تعمدت تحييد الدولة في تحميلها المسؤولية، وأردت أن أظهر للعالم أن المجتمع هو المسؤول عما يحدث له".
الفيلم القصير الذي يتنافس على جائزة مهرجان وهران للفيلم العربي في دورته الثامنة، سيجد المخرج نفسه أمام تساؤلات نقدية كثيرة لعمله الجديد الذي لن يرحب به أهل موريتانيا الذين يرون في السينما نظرة مغايرة، وقد يستصعب على شقير أن يملأ دار السينما الوحيدة في بلده بجمهور، ليعرض له الحقيقة كما هي أو مثلما يراها شقير الذي ساعد في إخراج فيلم " تمبكتو"، ويحضر لــ"العبودية في موريتانيا" قريبا.
الجزائر - عبد الجبار بن يحي