“لا يوجد سعادة في الحياة، فقط شرارات منها، فاستمتع بها" هذه عبارة شهيرة للكاتب الروسي، تولستوي، وجدت طريقها لعالم السياسة.
فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدم هذه العبارة ردا على سؤال من أحد الصحفيين حول إمكانية لعب قمته مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، دورا في بناء الثقة بين الطرفين.
واختار بوتين العبارة بعناية فائقة، وتبدو أنها تشرح على وجه الدقة ما أفرزته القمة المنتظرة منذ أسابيع في جنيف، فلا عداء كامل، ولا انفراج بين البلدين، فقط بعض التوافقات الطفيفة مثل إعادة السفراء، لكن الرئيس الروسي راضيا.
وهذا التصريح ليس جديدا على بوتين؛ فالرئيس الروسي يحب دائما الإدلاء بمثل هذه التصريحات التي تتصدر عناوين الأخبار في وسائل الإعلام الروسية والأجنبية.
كما يشتهر في أحيان كثيرة بالكلمات القاسية، والتي تكون أحيانا اقتباسات أو إشارات من روايات وأفلام وقصائد، وأحيانا من كتابته.
“الكعب العالي"
لكن بوتين لم يكتف خلال القمة بالتصريحات المثيرة والمبدعة، إذ حاول المناورة لتقليل فرق القامة مع الرئيس الأمريكي فارع الطول، عبر ارتداء حذاء بكعب عال، لكن الأخير كان يتوقع هذه الخطوة، إذ ارتدى أيضا كعبا عاليا، ما حافظ على فارق القامة.
وهذه ليست أول مرة يلجأ فيها بوتين إلى الكعب العالي للظهور أطول قليلا من قامته الطبيعية، وفق مجلة "دير شبيجل" الألمانية.
وعادة ما يلجأ الساسة إلى ارتداء أحذية عالية لتقليل فارق الطول الذي ينظر إليه برمزية شديدة في عالم السياسة الدولية على أنه يعكس فارق "القوة".
وبعد أن بدأ بايدن بمصافحة تاريخية مع بوتين بعد أشهر من العداء، جلس الرئيسان داخل مكتبة تعود إلى عام 1821، وتضم 15 ألف كتاب في القصر الذي شهد القمة في جنيف.
وبدأ بوتين الاجتماع متحدثا إلى بايدن "أعلم أنك قمت بجولة طويلة"، فيما بدا تعبيرا غامضا، إذ يمكن أن يكون معناها الجولة الخارجية الطويلة التي بدأت ببريطانيا وانتهت بجنيف، أو يمكن أن تشير إلى كبر سن الرئيس الأمريكي "78 عاما".
ويبدو أن بايدن فطن إلى العبارة الغامضة، ورد بالقول "أتمنى أن يكون اجتماعنا مثمرا"، وفق دير شبيجل.
لا عداء.. ولا انفراج
وكانت النتيجة الواضحة لقمة بوتين وبايدن بعد مباحثات دامت أقل من 4 ساعات، هي الاتفاق على إعادة السفراء إلى البلدين، بعد أزمة دبلوماسية استمرت 3 أشهر.
وبالفعل، أعلنت الرئاسة الروسية "الكرملين"، صباح الخميس، عودة سفير موسكو لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنتونوف إلى واشنطن، في الأيام المقبلة.
وكانت العلاقات بين موسكو وواشنطن تدهورت في مارس/آذار الماضي، عندما قال بايدن إنه يعتقد أن بوتين "قاتل"، ما دفع روسيا لاستدعاء السفير أنتونوف من واشنطن للتشاور، واستدعت الولايات المتحدة سفيرها أيضا في أبريل/نيسان.
وبالإضافة إلى مسألة السفراء، حققت القمة نجاحا فيما يتعلق بالاتفاق على مباحثات مستقبلية في مسائل الأمن السيبراني والتحكم المستقبلي في الأسلحة النووية.
وفي هذا الإطار، قالت "دير شبيجل": "في بعض الأحيان، عليك الرضا بالقليل للغاية خاصة في ظل المناخ المتجمد بين واشنطن وموسكو"، مضيفة "على أية حال، لقد تم الوفاء بالتوقعات المنخفضة للغاية قبل القمة".
لكنها استدركت قائلة "هذا الوضع مفيد لبوتين الذي غادر روسيا لأول مرة منذ أزمة كورونا؛ فقد جاء للاستماع بهدوء والرد بهدوء، وعدم تقديم تنازلات"، مضيفة "سارت الأمور كما يريد".
ونقلت المجلة عن مارك هيرتلينج، القائد العام السابق للجيش الأمريكي في أوروبا، قوله "في بعض الأحيان، لا تقدم اللقاءات الثنائية إشباعا فوريا".
وأضاف "في بعض الأحيان، تتطلب الاستراتيجية فقط تمهيد الطريق، ونقل الرسالة بقوة، والتحلي بالصبر، والتخطيط لنتائج أخرى".
ووفق مراقبين، فإن القمة بين بوتين وبايدن خففت حالة العداء عبر إعادة السفراء، لكنها لم تؤد لانفراجة في العلاقات بين البلدين، ولم تحسم الملفات العالقة، خاصة الصراع في أوكرانيا، وتعارض المواقف حول سياسات النظام، ووقف الهجمات السيبرانية.
وتدهورت العلاقات بين موسكو وواشنطن منذ سنوات، لاسيما بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014 من أوكرانيا وتدخلت في سوريا عام 2015 واتهامات الولايات المتحدة، التي نفتها موسكو، بالتدخل في انتخابات 2016 التي أتت بدونالد ترامب إلى البيت الأبيض.