إن ظاهرة التمصلح شائعة الانتشار فى بلادنا لكن الإحاطة بكل تجلياتها تبدو عسيرة لأن هذا المصطلح لايفى بكل أبعاد هذا السلوك الذى هو مزيج معقد من الأنانية والتحايل والخيانة وغش الشريك والثناء المفرط والمبالغة ولما يخالطها أيضا من غموض وتلبيس ناتج عن خبرة ممارسيها مما يجعلهم قادرين على إضفاء بعض الأوصاف على المصلحة العامة ليكون التمييز بينهما صعب الإدراك.
ينقسم المتمصلحون إلى أصناف منهم من يستعين بوسطاء تفاديا لإثارة الشكوك التى قد تحوم حوله، ومنهم من يسلك طرقا ملتوية توصله بعد جهد جهيد إلى هدفه، ومنهم من يختار التفانى فى الخدمة والتقرب وإظهار الولاء لأصحاب النفوذ بغية التوصل من خلالهم إلى مآربه، ومنهم من يجامل ويحابى ويتصاغر وينافق لإشباع رغباته. ...
قد تكون هذه التصرفات فردية أو جماعيه بحسب حجم وأهمية المصلحة المتوخاة منها. أما العوامل المشتركة بين هؤلاء وأولئك فهي تغليب المصلحة الفردية أو النفع الخاص -مادية كانت أو معنوية- على المصلحة العامة والاستعانة بشتى الوسائل دون تمييز لتحقيقها كالتضليل وزرع الفتن والإشاعات المغلوطة لأن الغاية فى نظرهم تبرر الوسيلة. فإن أشبعوا رغباتهم كثفوا الجهود فى البحث عن صيغة يتوصلون من خلالها إلى تغطية مكرهم السيئ وإلباسه ثوبا جديدا يستر بعض مظاهره. ومما لاشك فيه أن الركض وراء الرغبات الذى هو فى الأصل مذموم ويصبح محظورا إذا كانت الرغبات مشبوهة كما هو الحال، ينعكس سلبا على الأفراد و على المؤسسات. وبما أن المتمصلح لا يتورع عن أي تصرف يتوخى منه منفعة - وإن ألحق الضرر بغيره- لا تعدو تصرفاته أن تكون نوعا من أنواع الظلم الخاص والعام لكونها غالبا ما تؤدى- عن طريق الغش والخديعة وما شاكلهما- إلى هضم حقوق من هم أولى بالاستفادة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن المتمصلح ما حصل على مبتغاه إلا لكونه يجد لممارساته آذانا صاغية يوفر له أصحابها الدعم الكافى ويكونون له شركاء فى المنفعة كما أنهم له شركاء فى الإثم.
حتى لا نبقى فى التعريفات النظرية للتمصلح، لا بأس بالنزول على أرض الواقع للوقوف على بعض الطرق التى كانت سائدة لاختيار من يريدون له الفوز فى مجال الخدمات الاستشارية على سبيل المثال :
- إطلاعه على المناقصة قبل نشرها رسميا بعدة أشهر ليكون له متسع من الوقت للبحث عن خبير أو مكتب أو شركة أعمال حسب الطلب ويرتب جميع أموره بارتياح،
- فإن حصل على مايؤهله للمنافسة كيفت معايير الاختيار لتكون منسجمة مع ما يمتلكه هذا المنافس من قدرات( فإن كان النقص بينا أضيفت له خبرات وإمكانيات وهمية لأن الرقابة منعدمة) مما يسمح له بالمشاركة،
- توفر له جميع المعلومات التى ليست متاحة لغيره بما فى ذلك الغلاف المالي المخصص لهذه الخدمات وإمكانيات المنافسين واقتراحاتهم إلى غير ذلك من وسائل الدعم وبهذا يكون له الحظ الأوفر لكسب المنافسة.
فإن فاز- و هذا هو المتوقع- ترى ماذا سيكون مصير هذه المؤسسة التى سيوكل تسييرها إلى من هو ناقص الخبرة، ناقص الوسائل والذى لم يكن له أصلا الحق فى المشاركة لولا ما تلقاه من دعم غير مشروع حرم المؤسسة من كفاءة كان بإمكانها النهوض بها؟ وهذا السؤال وارد أيضا في حق أولئك الذين تم التلاعب بمصالحهم.
وإذا ما تتبعنا بعض النماذج فى مجالات أخرى كالتوظيف والترقيات والتمويلات والمسابقات....لم تكن الطرق المتبعة تختلف كثيرا عن بعضها لأن النهج فى مجمله يعتمد على لي أعناق النصوص والمعايير وإخضاعها لما يراد منها :
هذا ما يدركه من له أدنى إلمام بهذا الشأن.
وخلاصة القول إنما ينجم عن هذه الممارسات الواسعة الانشار والمتشعبة التجليات من إبطال حق وإظهار باطل لا بد وأن يوضع له حد. وهذا مايتعين على أولى الامر القيام به تحت طابع الاستعحال تفاديا لما هو أسوأ.
والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
محد ولد أحمد ولد المختار
# تنبيه#: التمصلح المعنى هنا هو التمصلح السيئ وليس طلب حق ضائع والسعي للحصول عليه.