"قرر رئيس الدولة أن ينظم سلسلة من الزيارات الكرنفالية لكافة ولايات الوطن، وذلك في محاولة منه للهروب من الأزمات المتعددة والمتشعبة التي تمر بها بلادنا، ومن الملاحظ بأن هذه الزيارات كانت قد اتسمت بست خصائص:
أولا : إنها زيارات عبثية وبلا أهداف، ويتجلى ذلك من خلال:
ـ غياب أي تدشينات جديدة في الولايات المزورة، والاكتفاء بإعادة تدشين مشاريع قديمة كان بعضها قد تم تدشينه أكثر من مرة.
ـ تجاهل المشاكل الحقيقية للمواطنين في الولايات المزورة: الجفاف ـ نقص و رداءة الأعلاف ـ العطش ـ مشاكل الملكية العقارية...
ـ رغم المرور ببعض المدارس والمراكز الصحية في الولايات المزورة إلا أن تلك المرافق بقيت على الحالة السيئة التي كانت عليها من قبل الزيارة، ولا تنتظر أي تحسن في المستقبل، هذا إذا ما استثنينا أنه كان قد تم طلاؤها بطلاء رديء جدا تنتهي صلاحيته مع انتهاء أيام الزيارة .
ثانيا: لقد أحيت وأذكت هذه الزيارات الكرنفالية الصراعات والنعرات القبلية، وخلقت الأرضية الملائمة لظهور وتكاثر عدد لا يحصى من مبادرات التطبيل والتملق السيئة الصيت.
ثالثا: لقد كانت هذه الزيارات مكلفة جدا للمواطن وللدولة، ويظهر ذلك من خلال:
ـ إنفاق مبالغ طائلة لتشييد العشرات من المهابط للطائرة التي يتنقل فيها رأس النظام، ومن المعلوم بأن هذه المهابط لن تستخدم إلا مرة واحدة، ولن تستفيد منها المدن والقرى المزورة، هذا بالإضافة إلى التكاليف الباهظة للطائرة.
ـ تنقل العشرات من السيارات العابرة للصحراء على حساب ميزانية الدولة.
ـ تعطيل مصالح المواطن، والزيادة من شلل الإدارة بسبب ترك المئات من الموظفين لأماكن عملهم، ولمدة أسابيع، ودون أي سند قانوني.
ـ نقل وضيافة المئات من أفراد الأمن ومن الموظفين على حساب خزينة الدولة.
ـ نقل وضيافة الآلاف على حساب ساكنة القرى والمدن المزورة.
ففي ظل وضعية قاسية وصعبة كهذه التي تمر بها بلادنا، فقد كان من الأجدر بالسلطة الحاكمة أن تنفق ما أنفقت من أموال ضخمة على زياراتها الكرنفالية في مشاريع تحد من العطش أو توفر الأعلاف مثلا، أو أي مشاريع حيوية أخرى تعود بالنفع على الوطن والمواطن.
رابعا : إن هذه الزيارات قد وضعت النظام في حالة تلبس واضح بالدكتاتورية وبالشمولية. كما أنها أثبتت كذب الدعوى التي تقول بفصل السلطات واستقلاليتها، ويظهر ذلك من خلال:
ـ انشغال الإدارة والموظفين في مختلف القطاعات بالتحضير لهذه الزيارات وهو ما أثبت عدم حيادية الإدارة.
ـ إقحام المؤسسة العسكرية والأمنية في التحضير لهذه الزيارات وهو ما أثبت عدم حيادية هذه المؤسسة.
ـ مشاركة القضاة في التحضير لهذه الزيارات وهو ما أثبت من جديد عدم استقلالية القضاء.
ـ توظيف الإعلام الرسمي في الدعاية والتطبيل لهذه الزيارات، وتجاهله الكامل لهموم ومشاكل المواطن، وهو ما أثبت من جديد بأن هذا الإعلام الذي يقتات من الضرائب التي يدفعها المواطن الموريتاني غير معني أصلا بهموم ومشاكل هذا المواطن.
خامسا: تصاعد مقلق في مستوى استخدام العنف اللفظي، واللافت أن بعض ذلك العنف اللفظي كان قد جاء من الرئيس نفسه. هذا فضلا عن ظهور ميليشيا تروع المواطنين وتمارس العنف والبطش ضد بعض المحتجين خلال هذه الزيارات. لقد تراجع دور قوات الأمن لصالح تلك الميليشيا، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على أمن واستقرار البلاد.
يضاف إلى ذلك ما تعرفه العاصمة من انفلات أمني خطير، وصل إلى حد محاولة قتل الصحفي حنفي ولد الدهاه مع أفراد أسرته من خلال حرق منزله.
سادسا: لقد أصبح من الواضح بأن هذه الزيارات تهدف بالأساس إلى صرف الأنظار عن الأزمة العميقة والمتعددة الأوجه التي تتخبط فيها بلادنا، والتي تتجلى في:
ـ أزمة اقتصادية ومالية تنعكس من خلال الضائقة المالية التي تعيشها الخزينة العامة والبنك المركزي والبنوك الوسيطة.
ـ أزمة "اسنيم" والتي شكل الإضراب الأخير جانبها المرئي، ولا شك بأن أزمة هذه الشركة في تفاقم مستمر، وذلك نظرا لحالة السوق العالمية، ونظرا لأن القائمين على هذه الشركة كانوا قد بددوا الأرباح الضخمة التي حققتها الشركة في السنوات الماضية، وأنفقوها في مجالات غير مفيدة، ودون أن يحتاطوا لتقلبات أسعار الحديد في الأسواق العالمية.
ـ تفشي غير مسبوق للرشوة والفساد: الخزينة العامة ـ "اسنيم" ـ البنك المركزي ـ صفقات التراضي في جميع القطاعات ـ الاستيلاء على المباني والساحات العامة ( بعض المدارس ـ أجزاء من الملعب الأولمبي ومن مدرسة الشرطة..).
ـ الأزمة الاجتماعية: الاسترقاق ـ مخلفات الإرث الإنساني ـ ارتفاع الأسعار ـ البطالة ـ الفقر.
وفي الأخير فإن هذه الزيارات تحاول كذلك أن تصرف الأنظار عن الأزمة السياسية والدبلوماسية التي تتخبط فيها البلاد، وعن الحوار الذي لا تريده السلطة الحاكمة أن يكون حوارا جادا، وإنما تريده أن يظل مجرد شعار ترفعه من حين لآخر في إطار سياسة الهروب إلى الأمام، وفي إطار سياسة الإلهاء التي تمارسها هذه السلطة في حق الشعب الموريتاني، وفي حق نخبه وقواه الحية".