فصل جديد من التوتر تعيشه العلاقات الجزائرية المغربية مع تصاعد وتيرة الاتهامات بين البلدين والتي وصلت إلى مرحلة خطيرة، وذلك بعد إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط ثم اتهامها بقتل ثلاثة جزائريين على طريق صحراوي متوعدة بالرد في وقت تصاعدت فيه حدة الخلافات بشأن الصحراء الغربية لتدخل العلاقات بين البلدين مرحلة حساسة وخطيرة تهدد المنطقة عموما.
واتهمت الرئاسة الجزائرية في بيان نقلته وكالة الأنباء الجزائرية صراحة المغرب بـ "اغتيال ثلاثة جزائريين .. في قصف همجي لشاحناتهم". وورد في البيان أن "عدة عوامل تشير إلى أن قوات الاحتلال المغربية في الصحراء الغربية نفذت هذا الاغتيال الجبان بسلاح متطور". وتوعدت الجزائر برد حازم بقولها أن "قتلهم لن يمر دون عقاب".وفق البيان.
وتداولت مواقع إخبارية وصفحات على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تظهر شاحنات محترقة في منطقة صحراوية قيل إنها شاحنات جزائرية تعرضت لهجوم، فيما نفى الجيش الموريتاني، في بيان له حدوث أي هجوم داخل الأراضي الموريتانية، داعياً إلى "توخي الدقة في المعلومات، والحذر في التعامل مع المصادر الإخبارية المشبوهة".
وفي أول رد رسمي مغربي على اتهامات الرئاسة الجزائرية،للمغرب بـ"قصف واستهداف شاحنات جزائرية"،اكتفى الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس،بالتأكيد خلال ندوة صحافية أعقبت اجتماع المجلس الحكومي،على أن المملكة "تتمسك بالاحترام الدقيق جدا لمبادئ حسن الجوار مع الجميع"، دون تقديم توضيحات أخرى.
وجاءت تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية في أعقاب تأكيدات لمصدر مغربي، أن المملكة لن تنجرّ إلى حرب مع جارتها الجزائر، تعليقا على ما وصفه بأنه "اتهامات مجانية"، بعد إعلان الرئاسة الجزائرية مقتل ثلاثة جزائريين في قصف نسب إلى القوات المسلحة المغربية في الصحراء.
ونقلت "فرانس برس" عن المصدر قوله "إذا كانت الجزائر تريد الحرب، فإن المغرب لا يريدها. المغرب لن ينجر إلى دوامة عنف تهز استقرار المنطقة"، مدينا "اتهامات مجانية" ضد المملكة. وأضاف المصدر إن "المغرب لم ولن يستهدف أي مواطن جزائري، مهما كانت الظروف والاستفزازات"، لافتا إلى أن المنطقة التي وقع فيها الحادث "تتنقل فيها حصريا المليشيا المسلحة لجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر".وفق تعبيره.
وتعيش العلاقات المغربية الجزائرية، منذ أشهر، أزمة غير مسبوقة، كان أبرز فصولها إعلان وزير الشؤون الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في 25 أغسطس/آب الماضي، عن قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، جراء "استفزاز المملكة المغربية (للجزائر) الذي بلغ ذروته"، و"تخليها عن الالتزامات الأساسية للعلاقات مع الجزائر"، الأمر الذي وصفته الرباط بـ"الاتهامات المجانية".
وفي 31 أكتوبر الماضي،أعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قراره عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مرورا بالمغرب.وأرجع بيان رئاسة الجمهورية الجزائرية عدم التجديد إلى ما سماها "الممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة المغربية".وفق نص البيان.
وكانت الجزائر تزود منذ العام 1996 إسبانيا والبرتغال بنحو 10 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا عبر خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا.وتحصل الرباط سنوياً على نحو مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ما يمثل 97 بالمئة من احتياجاتها. ويحصل المغرب على نصفها في شكل حقوق طريق مدفوعة عينياً، والنصف الآخر يشتريه بثمن تفاضلي، وفق خبراء.
وتتخوف إسبانيا من أن يؤدي وقف اتفاق أنابيب الغاز عبر المغرب، إلى الخفض من الكميات التي تحصل عليها من الغاز الجزائري ما قد ينعكس سلبا، ليس فقط على حجم الخصاص وإنما أيضا على سعر الغاز. وقد حرصت السلطات الجزائرية على طمأنة نظيرتها الإسبانية بكونها اتخذت الإجراءات اللازمة للحد من الآثار السلبية لقرارها.
وحول تأثير القرار على المغرب،أفاد المكتب الوطني المغربي للكهرباء والماء الصالح للشرب،في بيان بأنه "لن يكون له حالياً سوى تأثير ضئيل على أداء النظام الكهربائي الوطني".وأضاف البيان "نظراً لطبيعة جوار المغرب، وتحسّباً لهذا القرار، فقد اتخذت الترتيبات اللازمة لضمان استمراريّة إمداد البلاد بالكهرباء"، من دون أن يعطي مزيداً من التفاصيل. وأشار البيان إلى أنّ المغرب يدرس "خيارات أخرى لبدائل مستدامة، على المديَين المتوسّط والطويل".
هذه التطورات تثير مخاوف من تحول حرب الاتهامات الى حرب حقيقية بين البلدين خاصة في ظل الحديث عن تحشيد عسكري على الحدود.وفي هذا السياق،قال موقع "موند أفريك"،في تقرير نشره أن "هناك توترا خطيرا ملموسا في المنطقة، لا سيما أن الجيش الجزائري يعزز وجوده على الحدود المغربية الموريتانية".وأشار إلى ما نشرته صحيفة "لارازون" الإسبانية مؤخرا من صور بالأقمار الصناعية تظهر نشر بطاريات صواريخ للجيش الجزائري أمام الحدود المغربية.
لا شك أن التوتر المتصاعد بين "الاخوة" يأتي مخيبا للآمال المنتظرة بوضع حد لعدم استقرار المنطقة وتجنيبها حالة النزاع والركود المستمر منذ عقود،في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة وتحديات أمنية خطيرة،تعيشها دول المنطقة عموما ناهيك عن أزمات صحية طارئة بسبب وباء كورونا.ويخشى كثيرون من حقيقة أن الأزمة بين الرباط والجزائر باتت صراعًا لا نهاية له فيما يأمل آخرون أن تنتصر الأخوة على العداء لترسم مستقبلا أفضل للبلدين والمنطقة عموما.