بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
انتقل من هذه الدار الفانية أمسِ السيدُ الفاضل الكريم بابه بن سيدى محمد بن اسويدات عن عمُر تَجاوز الثمانين عُرف خلاله بالخلق الحسن والأدب والظرْف واللباقة والأريحية، وحسن المحاضرة وطيب المجلس، والتخلق بأخلاق قومه من عِلْية العرب فى شِيَمِهم وفضائلهم، ونُبْلهم ووفائهم ودينهم ومُروءتهم وشجاعتهم وإبائهم.
فقد كان عربيا أصيلا ومَغفريّا قُـحًّا على كل صعيد، بما تَعنيه الكلمة من معنى.
عرفتُه منذ عقود، وهو فى كل مجلس يحدّث بطريقة شائقة عن الأحداث ووقائع السنين وشىء من أخبار هذه البلاد، محدِّدا بالضبط تواريخَها وحيثياتِها، ناسبا كثيرا مما يقول إلى الوثائق والمستنَدات، فضلا عما يرويه عن أكابر قومه وغيرهم من الأعيان والمشاهير. وكنت أستمع إليه باهتمام كبير، لما لحديثه من جاذبيّة وتأثير.
وكان والدى ـ رحمه الله تعلى ـ يحبّه ويُدنِى مجلسَه، كما كان يفعل مع سائر أهل بيته الأفاضل، وعشيرته الأماثل.
إن المصاب به ليس خاصا بقبيلته العربية الكريمة أو بعموم الترارزة، أو بمدينته أبى تلميت، وإنما هو مصاب يعم سائر أرجاء هذا الوطن الكبير.
فقد خسر البلد كله بمَغِيبه رمزا تاريخيا مهمّا، وشخصية محبَّبة إلى الجميع ذاتَ أبعاد متعددة، وطاقاتٍ نادرة.
إننا ـ مع الأسف ـ لا نستخلص العِبَـرَ من الدهر، فكم فرصة ذهبية تِلوَ أخرى أضعناها بسبب إهمالنا وتقصيرنا، فذهبت علينا سُدى، فكما لم نستفد من شخصيات كثيرة مضت لسبيلها، فإننا لم نستفد من بابَه ابن اسويدات الذى كان بحقٍّ ذاكرةً متنقلة، ومستودَعا غنيا بالمعلومات والتجارب والأخبار.
ولكنْ عزائى فى أنّ أفضلَ ما أسْديه إليه اليوم وفاءً بحقه هو ذلك الدعاء الذى دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى سلمة حين دخل عليه وقد شَقَّ بَصَـرُه، كما رواه مسلم فى صحيحه من حديث أم سلمة رضى الله عنها.
فأقول: اللهم اغفر لبابه ابن اسويدات، وارفع درجتَه فى المَهْديِّين، واخْلُفْه فى عَقِبِه فى الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافْسَح له فى قبره، ونوِّرْ له فيه.
ولا أحسب مسلما يحتاج بعد الموت إلى أكثرَ من هذا فى نفسه وولده.
وإنى لأدعو عمومَ أهل بيتنا إلى الدعاء له به، وبدوام الترحّم عليه، والاِستغفار له، فقد ثبت عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن مِن أبَـرِّ البِرِّ أن يصلَ الرجلُ أهلَ ود أبيه).
كما أدعو سائرَ المسلمين ممن سيطّلعون على هذا المسطور أن يُخلصوا له فى الدعاء.
فالدعاء هو العبادة، وهو أعظم صِلةٍ يوصَل بها الميت فى قبره.
أسأله تعلى أن يبارك فى بيته وأهله وقومه، وأن يُلهمَنا وإياهم الصبر والسُّلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
16يوم الاثنين ربيع الآخر 1443هـ
22/11/2021م
إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدى.