إن من أتيحت له فرصةالتجول داخل أحياء العاصمة- راجلا أو راكبا-
لا محالة سوف يقع بصره على مشاهد فظيعة أو يصل إلى أذنيه من صراخ وأنين واستغاثة المتألمين ما تقشر منه الجلود و تحترق تحت صدمته القلوب. فمظاهر البؤس والضياع بادية على كل وجه ومؤثرة مما يجعلك تتساءل هل من بين المارة من يرى ما ترى أو يسمع ما تسمع أو يتألم لمعاناة هذه الجماعات التي أنهكها الجوع وغيرت بشرتها المآسي. فهذا المشهد يلازمك في حلولك وترحالك وليس هذا إلالسعة انتشاره وشدة وقعه. هذا وأكثر من هؤلاء بكثير أولئك الذين شدوا الرحال إلى خارج البلاد بحثا عن لقمة العيش وأولئك الذين فضلوا ستر الحال عن الناس -حبسهم العجز والمرض أو التعفف والحياء- لا يغادرون أكواخهم يبيتون على الطوى ويظلون عليه لا يسألون الناس إلحافا. فتنهزم تحت وطأة هذا الواقع المر حتى تتوقف عن الحركة حائرا وحسيرا. وإذا صحوت من صدمتك فلا يسعك إلا أن تنكب على البحث عن الأسباب التي أدت إلى هذه الأوضاع المزرية حقا . حينها يشتد ألمك ويزداد استغرابك عندما تبدأ في جرد ما من الله به على هذا البلد من خيرات جسام (ثروة حيوانية، سمكية، معدنية متنوعة، زراعة، مياه ...) ومن طاقات بشرية خلاقة مع قلة السكان الذين لا يتجاوز عددهم أربعة ملايين نسمة فقط. فيا للعجب .ا كيف أهدرت هذه الثروات الهائلة دون أن يحصل المواطن البسيط منها على نفع يذكر؟. لا تفسير لهذا الواقع غير تفشي الفساد والنهب والرشوة والتبذير واللامبلاة في المجتمع- وعلى الخصوص على مستوى دوائر النفوذ- تصديقا للمقولة "ماوقع تبذير في كثير إلا هدمه ولا دخل تدبير في قليل إلا ثمره" ، واندثار مفهوم الشأن العام وانعدام المسؤولية والروح الوطنية. ومن الأمثلة على إهمال الهم العام انخراط الموظفين وغيرهم في تحالفات عبثية (هذا حلف فلان وهذا حلف فلان) مهرولين وراء مصالح ضيقة تنطوي على ممارسات مضرة بوحدة وتماسك المجتمع، ناظرين إلى مسؤولياتهم تجاه الوطن والمواطنين بازدراء، همهم الأساسي التقرب من الحاكم ومساندته من أجل الحصول بواسطته على مآربهم، مستخدمين لهذا الغرض ما أتيح لهم من وسائل مادية وبشرية كما أن هناك طوائف أخرى شغلها الشاغل نشر الفوضى والتفرقة بين المواطنين.و ليس هذا إلا نموذجا واحدا من بين آخرين في مجالات متعددة لا فائدة في سردها. لكنها كلها تنم عن تمكن المفسدين والمتملقين والمتمصلحين الذين يجسدون المقالة الشعبية:
(إل اتول ش ظاك، الواعر ألا كلت انفش هذا مال هوش، نحن ألا من بني غزية......) فالعجب كل العجب والمؤسف في نفس الوقت أن سلوك هؤلاء القوم يتعارض مع القيم والأخلاق والتعاليم الإسلامية السائدة في البيئة التي نشأوا فيها وترعرعوا كالأمانة والصدق والإخلاص في العمل وتحمل أعباء المسؤولية والابتعاد عن الظلم والخيانة.... والتي إن تمسكوا بها حالت بينهم وبين الانحراف الأخلاقي والخلقي. لكنهم وضعوها جانبا-عن قصد أو غير قصد- وأهملوها. لم تكن هذه الممارسات وليدة الصدفة بل هي مقتبسة من المنحى العام الذي اقتفته السلطة في بعض مراحلها وسار عليه الركب وأبدعوا. - ليتهم استخدموا طاقاتهم فيما هو أنفع لهم-! وتوطد واتسعت رقعته على مر السنينن حتى كادت الدولة أن تتلاشى بسببه وتختفي تحت الرمال. وما أنقذها من هذا المصير إلا طول سكرات الدول كما يقال. إنه لا سبيل إلى التخلص من هذا المرض الفتاك المتجذر في جسد المجتمع إلا باستئصاله بالكلية كي لا يعود مرة أخرى وهذا ما يتطلب القوة والصرامة والشجاعة والشمولية والتصدي له بحلول رادعة ومؤلمة عند الضرورة -لا وقتية ولا جزئية- .هذا ما يتطلبه المقام من أجل بناء الدولة على أسس سليمة والمضي قدما في الاتجاه الصحيح خدمة للوطن والمواطن.فالتساؤلات المطروحة الآن هي عن نوعية وطبيعة الحلول المقترحة وآليات تنفيذها وكيفية تطبيقها على أرض الواقع وماهي الهيئات المكلفة بطرح الخطط والتقييم والمتابعة: أسئلة كثيرة ومتشعبة تستدعي أجوبة شفافة ومقنعة. فعلى كل واحد منا الإدلاء بدلوه والإفصاح عن رأيه في هذا الشأن. فمن ازدحام العقول يخرج الصواب.
والله ولي التوفيق.
محمد ولد أحمد ولد المختار