ن من الصعوبة بمكان-إن لم يكن مستحيلا- الوقوف في وجه هذا الكم الهائل من المقالات والنشرات والشائعات والصوتيات والمرئيات....التي تفتقر إلى كثير من الدقة والانضباط.فهذا السيل من المعلومات ذات المصادر والاتجاهات والأغراض المتشعبة يتدفق يوميا على هذا المواطن البسيط السليم الفطرة فيميل به شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وإلى غير وجهة حتى يفقده توازنه فيصبح التحكم في توجيهه سهل المنال.فلا حائل يحول بينه وبين ما يصدر في هذه المنشورات من إغراءات تجعل منه فريسة سهلة لكل من هب ودب فيدفع به نحو الهاوية في فضاء اختلط فيه الحابل بالنابل والتبس فيه الحق بالباطل.
إن من دواعي الحيرة والاستغراب الالتزام بهذا الصمت المريب-إلا في حالات تندر- وعدم التصدي للآراء المدمرة التي من شأنها النيل من سلامة وأمن المواطن حتى تفحم ويتغلب عليها بالحجة الدامغة وغيرها من أساليب الإقناع وحتى لا تترك الساحةفارغة لحملة الأفكار السيئة يسرحون فيها ويمرحون كما يشاؤون ،يصبون من سمومهم على الآخرين ويعيرونهم بما هم منه براء:"رمتني بدائها وانسلت"كما يقول المثل العربي القديم.
إن هذه المسؤولية التي توقظ الهمم وتحمي الأمم تقع بالدرجة الأولى على عاتق أصحاب الضمائر الحية الذين ما برحوا-ولله الحمد-يشكلون صنفا من أصناف هذا الشعب الأبي
لم يكن هذا الركود الملاحظ في القيام بأعباء النصيحة والإرشاد و تبيان الحق تكاسلا منهم ولا عن سوء نية-أعاذهم الله من ذلك- ولكنهم اعتادوا في مجتمعهم البدوي البسيط المترامي الأطراف عدم الخوض في مسائل قد تؤدي بهم إلى جدالات ومشادات كلامية تجر أصحابها إلى أبعد من ذلك(سوء تفاهم، شحناء ،مشاجرة...) .فهم يحترزون من أن يقعوا في آفات اللسان التي لا تحصى ولا تعد والتي حذر الشارع منها أشد تحذير. فتغاضوا ومروا مرور الكرام وغضوا الطرف كي لا يلصق بهم من هذه الآفات شيء. ومع هذا فإنهم ما فتئوا يرشدون ويوجهون المجتمع إلى ما يرونه أنفع له- ما وجدوا لذلك سبيلا.
فيلتمس لهم في هذا كله أحسن المخارج. فمما قد يؤخذ عليهم أنهم لم يهضموا بما فيه الكفاية ما تعرض له المجتمع من تغييرات سريعة و مدهشة هزت أركانه وغيرت حياته وتفكيره تغييرا جذريا: لم يواكبوا المسار كما يقال حيث غاب عنهم الكثير من أحوال ومتطلبات وممارسات أهل هذا العصر التي لا غنى عن استيعابها من أجل مجابهتها بأنجع الطرق.
إن لهذه الأوضاع الطارئة الحتمية متطلباتها التي تقتضي ابتكار أساليب جديدة للتعامل معها بحكمة وعن وعي للحد من تأثيراتها السلبية على الأفراد والمجتمع فمن ذلك مجابهتها بالقلم وباللسان بصريح العبارة وعلى رؤوس الأشهاد لأن السكوت في هذا المقام ليس من السكوت المطلوب شرعا وربما كان صاحبه آثما. إن النصح والإرشاد والسعي في مصالح المسلمين من أفضل ما يتقرب به إلى المولى عز وجل من العبادات وهو عمل من أعمال الخير.
والله ولي التوفيق