موريتانيا تطلق حملة دبلوماسية لشرح سياستها المتعلقة بالتصدي للهجرة غير النظامية

خميس, 04/10/2025 - 10:35

نواكشوط ـ «القدس العربي»: في خطوة تهدف إلى احتواء التوترات الناجمة عن عمليات ترحيل للأجانب يجري تنفيذها حالياً، أطلقت موريتانيا حملة دبلوماسية واسعة النطاق لشرح سياستها المتعلقة بضبط إقامة الأجانب على أراضيها، وفقاً لما تعتبره حقاً سيادياً ثابتاً لها في هذا المجال.
وتشمل الحملة اتصالات مكثفة مع العواصم المجاورة، إلى جانب جولة ميدانية يتنقل ضمنها حالياً وزير الخارجية محمد سالم ولد مرزوك، بين عواصم بلدان غرب إفريقيا، حاملاً رسائل خطية من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى قادة دول الجوار.
وتؤكد، وفقاً لمصدر مقرب من هذا الشأن، على احترام موريتانيا للاتفاقيات الثنائية ومبادئ حسن الجوار، مع التشديد في الوقت ذاته على حقها السيادي في تنظيم الإقامة والتصدي للهجرة غير النظامية.
وتسعى نواكشوط من خلال هذه الحملة إلى تفنيد ما اعتبرته “فهمًا خاطئًا أو مسيسًا” للإجراءات الأخيرة المتعلقة بترحيل الأجانب غير الحاصلين على إقامات قانونية، مؤكدة أن تلك الخطوات تأتي في إطار قانوني بحت، هدفه الحفاظ على الأمن الداخلي وتنظيم سوق العمل، وليس استهدافًا لأي جنسية بعينها.
كما تشمل الحملة العمل على تعزيز التنسيق مع البعثات الدبلوماسية للدول الإفريقية المعنية وتكثيف التواصل الإعلامي لتوضيح خلفيات القرار للرأي العام المحلي والدولي.
وتجد موريتانيا نفسها اليوم في قلب معادلة معقدة تتداخل فيها الاعتبارات الأمنية والإنسانية والدبلوماسية، وذلك في ظل تزايد أعداد الأجانب من دول غرب إفريقيا، خصوصًا من السنغال وغينيا بيساو وغامبيا، الذين يوجدون على أراضيها دون إقامات نظامية.
ويفرض هذا التدفق المتزايد ضغطًا واضحًا على البنية التحتية والخدمات، وأثار مخاوف أمنية واجتماعية، لا سيما في المناطق الحضرية الرئيسية.
وفي محاولة لضبط الوضع، قامت السلطات الموريتانية خلال الأسابيع الماضية على تنفيذ عمليات ترحيل جماعي شملت مئات المهاجرين غير النظاميين، وهي الخطوة التي قوبلت باستياء واسع في السنغال، حيث اعتبرها البعض مسيئة للعلاقات بين البلدين، ومتناقضة مع مبادئ حسن الجوار والتضامن الإقليمي. كما أثارت ردود فعل متباينة في أوساط الرأي العام الإفريقي، بين متفهم ورافض.
غير أن اللافت في هذا السياق كان الموقف المتزن والمنصف الذي عبّر عنه رئيس غينيا بيساو، عمر سيسوكو إمبالو، الذي أكد بشكل صريح أن من “حق موريتانيا أن تضبط حدودها وتحمي أراضيها”، مشددًا على أن السيادة الوطنية تقتضي تنظيم الدخول والإقامة على أساس القوانين المعمول بها.
وقد وفر هذا التصريح غطاءً دبلوماسيًا مهمًا للتحرك الموريتاني، وفتح الباب لنقاش أوسع حول مسؤولية الدول الإفريقية في تنظيم حركة الأفراد بما لا يخل بالاستقرار المحلي للدول المضيفة.
وفي ضوء هذه التطورات، تبدو موريتانيا أمام ورطة مزدوجة: من جهة، ضغوط داخلية تتطلب تطبيق القانون وحماية النسيج الاجتماعي. ومن جهة أخرى، توازن دقيق مع دول الجوار للحفاظ على العلاقات الأخوية وضمان استمرار التعاون في ملفات حيوية، وعلى رأسها الهجرة والأمن والتنمية.
وتعول حكومة نواكشوط على الحملة الدبلوماسية التي يقودها حاليًا وزير الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج، محمد سالم ولد مرزوك، مسلمًا رسائل من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى نظرائه في هذه الدول.
وتناولت هذه الرسائل موضوع الهجرة غير النظامية، والمشاكل المترتبة عليها، وسبل تفادي هذه الظاهرة التي تشكل عائقًا أمام تحقيق تنمية القارة الإفريقية، وما لذلك من تداعيات مختلفة.​
تأتي هذه الجولة في ظل تزايد التحديات المرتبطة بالهجرة غير النظامية في المنطقة؛ فقد شهدت موريتانيا تدفقًا متزايدًا للمهاجرين غير النظاميين، مما أدى إلى تصاعد الجدل الداخلي حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة.
واتخذت حكومة موريتانيا عدة إجراءات لمكافحة الهجرة غير النظامية، بما في ذلك تشديد الرقابة على الحدود، وتحديث التشريعات المتعلقة بالهجرة، وتفكيك شبكات تهريب البشر.​
وعلى الصعيد الدولي، وقّعت شراكة مع الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة غير الشرعية، تهدف إلى تعزيز التعاون في هذا المجال ومكافحة الظاهرة بشكل فعال .​
وتسعى موريتانيا من خلال هذه الجهود الدبلوماسية والأمنية إلى معالجة تحديات الهجرة غير النظامية، بالتعاون مع الدول المجاورة والشركاء الدوليين، بهدف تحقيق استقرار في المنطقة.​
وتواجه، منذ سنوات، موجات متزايدة من الهجرة واللجوء، باتت تشكل تهديدًا متعدد الأبعاد يتجاوز قدرات الاستيعاب والتأطير لأجهزتها الإدارية والأمنية.
فإلى جانب التدفق المستمر للاجئين الفارين من الأوضاع الأمنية المتدهورة في مالي، تشهد البلاد توافدًا متسارعًا لآلاف المهاجرين الباحثين عن فرص عمل، فضلًا عمن يحاولون عبور أراضيها باتجاه السواحل الأطلسية في رحلة محفوفة بالمخاطر نحو أوروبا.
ويفرض هذا الواقع المتشابك على موريتانيا أعباء أمنية واقتصادية واجتماعية هائلة، ويضع النسيج المجتمعي الهش في مواجهة ضغوط غير مسبوقة، وسط محدودية في الموارد وضعف البنية التحتية.
وتحتضن موريتانيا ما يزيد على 300 ألف لاجئ من مالي، يتركز أغلبهم في ولاية الحوض الشرقي، وخصوصًا في مدينتي باسكنو وعدل بكرو.
ويتميّز هذا التجمع اللاجئ بتنوعه العرقي وتواصله المستمر، في ظل استمرار الصراع داخل الأراضي المالية.
وتبرز مخاوف أمنية متزايدة من إمكانية تحول بعض المناطق الحدودية إلى بيئة حاضنة للتطرف، خاصة مع تدفق أفراد من قومية الفولاني، التي يرتبط بعض عناصرها بتنظيم “ماسينا” المسلح المعادي للحكومة المالية.
وفي جانب آخر، يبرز الوجود الكثيف للمهاجرين من السنغال ومالي كأحد أبرز التحديات أمام السياسات الوطنية الخاصة بضبط إقامة الأجانب؛ فالجالية السنغالية، التي تعد من الأكبر عددًا في موريتانيا، تنشط في قطاعات عدة، وتُحول سنويًا ما يزيد على 300 مليار فرنك إفريقي إلى بلدها الأصلي.
ومع ذلك، يلاحظ أن نسبة كبيرة من أفراد هذه الجالية لا تلتزم بتسوية أوضاعهم القانونية، وهو ما تعتبره السلطات تحديًا صريحًا للقوانين الوطنية، في ظل التسهيلات الكبيرة التي تقدمها نواكشوط للسنغال، سواء عبر اتفاقيات الصيد، أو تسهيلات الإقامة.
وبالمثل، تواصل الجالية المالية حضورها الكبير في المشهد الاقتصادي الموريتاني، حيث تنشط في قطاعات الزراعة والرعي والبناء والتنقيب، وتشكّل عنصر استيطان فعلي في عدة مناطق من البلاد، خاصة في الولايات الشرقية. وقد أثار تزايد بعض مظاهر العنف والجرائم في السنوات الأخيرة قلقًا عامًا بشأن تأثير هذا الوجود المتنامي على الأمن المحلي.
وفي الوقت الذي تُعرف فيه الجاليات الموريتانية في إفريقيا بأنها جاليات منتجة ومساهمة بقوة في اقتصادات البلدان التي تقيم فيها، تظهر الجاليات الأجنبية في موريتانيا، وعلى رأسها الإفريقية، كعامل ضغط إضافي على الدولة، نظرًا لارتباطها في الغالب بأنشطة غير منظمة، واستحواذها على قطاعات غير مصنفة حساسة تعتبر مصدر دخل مهمًا للطبقات الموريتانية الفقيرة.