كتاب: يوميات غوانتانامو / للسجين الموريتاني محمدو ولد صلاحي (الحلقات 5-8 / جريدة الأمل الجديد)

خميس, 08/27/2015 - 11:45

يعيد موقع "الرأي المستنير" نشر حلقات كتاب يوميات غوانتانامو للسجين الموريتاني محمدو ولد صلاحي التي تنشرها صحيفة الأمل الجديد اليومية على صفحاتها طيلة الأسبوع من يوم الإثنين وحتى الخميس، وهذه هي الحلقات من 5 إلى 8 التي نشرتها الأمل الجديد:

ولد محمدو ولد صلاحي في 31 ديسمبر 1970 في روصو التي كانت بدلة صغيرة آنذاك والآن أصبحت مدينة صغيرة على نهر السينغال على احدود الجنوبية لموريتانيا. هو الولد التاسع في الأسرة يكبره ثمانية أولاد ويصغره ثلاثة. انتقلت اسرته الى العاصمة نواكشوط عندما انهى محمدو دراسته الابتدائية ولم يمض الكثير حتى مات والده تاجر الجمال البدوي. لابد أن مواهب محمدو الواضحة في ذلك الوقت قد شكلت لديه احساسا بدوره في الاسرة. علمه والده قراءة القرآن الذي تمكن من حفظه عن ظهر قلب في مراهقته وكان ناجحا في مدرسته ويتمتع بقابلية خاصة للرياضيات. وفي عام 2008 يصف مقال في دير شبيغل ولدا شعبيا يهوى كرة القدم وبشكل خاص الفريق الوطني الالماني. وقد دفعته هوايته لتقديم طلب لجمعية كارل دويسبرغ للحصول على محنة دراسية تأتيه الموافقة في المانيا وكان ذلك قفزة هائلة في حياة الأسرة برمتها كما اوردت المجلة في تقريرها:

ركب صلاحي طائرة متوجها الى المانيا يوم الجمعة اواخر صيف 1988. كان الشخص الأول في الاسرة يدخل الجامعة في الخارج والشخص الأول الذي يسافر على متن طائرة. عن حزن والدته الشديد على رحيل ابنها المفضل لديها وافراطها في البكاء لحظة الوداع خلفا ترددا طفيفا للحظات لدى محمدو قبل أن يركب طائرته. في النهاية اقنعه الآخرون ان يمضي في رحلته. يقول اخوه يهديه: كان من المفترض أن ينقذنا ماليا في الوقت الحاضر.

في المانيا تابع محمدو دراسته وحصل على شهادة في الهندسة الكهربائية وكان يأمل بايجاد عمل في حقل الاتصالات والكمبيوترات ولكنه سرعان ما اوقف دراسته ليشترك في قضية كانت تجذب الشباب من اصقاع العالم وذلك بهدف القيام بتمرد ضد الحكومة التي يقودها الشيعيون في افغانستان. في تلك الايام لم تكن هناك اية قيود أو حظر على نشاطات من ذلك النوع وقد سافر شبان مثل محمدو بشكل علني وكانت القضية التي سافر من أجلها تحظى بدعم الغرب وبدعم امريكا على نحو خاص. وحتى ينضم اولئك الشباب الى جبهات القتال كان عليهم التدرب لهذا التحق محمدو في اوائل 1991 بمعسكر تدريبي للقاعدة بالقرب من خوست وتدرب فيه مدة سبعة اسابيع مع اعطاء قسم الولاء للقاعدة التي يدير عناصرها المعسكر. تلقى محمدو التدريب على الاسلحة الخفيفة وعلى الهاون وقذائف وكانت الاسلحة في معظمها سوفيتية الصنع لقد ذكر محمدو ذلك في جلسة الاستماع امام محكمة النظر بوضع المقاتل عام 2004 في الولايات المتحدة الأمريكية.

عاد محمد والى دراسته بعد تلقيه التدريب ولكنه عاود الذهاب الى افغانستان مرة ثانية في عام 1992 عندما كانت الحكومة الشيوعية على حافة الانهيار.

لقد التحق هذه المرة بوحدة يقودها جلال الدين حقاني الوجدة التي كانت تحاصر مدينة كاردز التي سقطت بعد وصول محمدو بثلاثة أسابيع دون اية مقاومة تذكر.

بعد ذلك لم تصمد كابول طويلا فقد سقطت هي الاخرى في وقت قصير وكما يروي محمدو القصة امام محكمة النظر بوضع المقاتل بان القضية التي سافر من اجلها الى افغانستان سرعان ما دخلت في نفق مظلم ويمضي بوصفه قائلا: بعد اسقاط الشيوعيين بدأ المجاهدون بشن الجهاد ضد بعضهم بعضا صراعا على السلطة لذا دخلت مجموعات مختلفة في حرب يقاتل بعضها الآخر. قررت العودة لأنني لم أرغب في القتال ضد المسلمين الآخرين لم أجد مبررا حينذاك ولا أجده اليوم ان تقاتل الآخر من أجل ان تكون رئيسا او نائبا للرئيس. كان هدفي هو فقط محاربة المعتدين اعني الشيوعيين بصورة اساسية لأنهم منعوا اخوتي من ممارسة طقوس دينهم.

لقد بقي محمدو مصرا دائما على اقواله تلك كدليل على التزامه مع القاعدة وقد قال للضابط رئيسة الجلسة أمام محكمة النظر بوضع المقاتل:

سيدتي كنت ادرك أنني أقاتل مع القاعدة ولكن القاعدة حينذاك لم تكن قد شنت الجهاد ضد امريكا لقد اخبرونا بأننا نقاتل مع اخوتنا ضد الشيوعيين. ارادوا ان يشنوا الجهاد ضد امريكا في منتصف التسعينيات ولكن ليست لي اية نية في ذلك لم انضم اليهم تحت هذه الفكرة تلك مشكلتهم. انا بعيد كل البعد عن خط المواجهة بين القاعدة والولايات المتحدة الامريكية. عليهم ان يحلوا هذه المشلكة بينهم وبين انفسهم. انا بعيد عن هذه القضية كليا.

بالعودة الى المانيا استقرت اوضاع محمدو في الحياة كما تم التخطيط لها مع اسرته في نواكشوط قبل سفره. فقد اكمل دراسته في الهندسة الكهربائية وحصل على شهادتها من جامعة دويسبرغ. التحقت به زوجته الموريتانية الشابة وعاش الزوجان وعملا في دويسبرغ معظم عقد التسعينات. ومع ذلك بقيت صداقته قائمة في تلك القترة مع من رافقه في مغامرة افغانستان وكذلك بعض الذين كانوا لا يزالون على علاقة بالقاعدة. كما انه بقي على زمالة مباشرة مع احد الاعضاء البارزين في القاعدة وهو محفوظ ولد الوليد الذي يعرف ايضا باسم ابو حفص الموريتاني الذي كان في مجلس الشورى التابع للقاعدة واحد اكبر مستشاري ابن لادن في الامور الدينية وهو احد ابناء عمومة محمدو وعديل له في الزواج باخت زوجة محمدو. وكان الاثنان على تواصل هاتفي بين الفينة والأخرى حينما كان محمدو في المانيا وهناك مكالمة هاتفية اجراها معه ابو حفص من هاتف ابن لادن الذي كان يعمل بواسطة الاقمار الصناعية التقطتها المخابرات الامانية عام 1999. كما أن محمدو ساعد أسرة ابو حفص مرتين بتحويل 4000 دولار امريكي الى اسرته في موريتاني في شهر رمضان.

وفي عام 1998 سافر محمدو وزوجته الى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك الحج. في ذلك العام بالضبط يتمكن من تأمين اقامة دائمة في المانيا لذلك فقد اتبع نصيحة احد زملائه ايام الدراسة في الكلية بتقديم طلب اللجوء الى كندا. وفي نوفمبر 1999 انتقل الى مدينة مونتريال حيث عاش بعض الوقت مع زميله السابق في الدراسة ومن ثم في جامع السنة الكبير حيث طلب منه كحافظ للقرءان أن يحل محل الامام في القيام بواجدبات العبادة في رمضان اثناء غياب الاخير. وبعد وصوله الى مونتريال بفترة اقل من شهر اعتقل مهاجر جزائري وعضو في القاعدة يدعى أحمد رسام بينما كان يهم بدخول الولايات المتحدة بسيارة مفخخة بالمتفجرات بهدف تفجير مطار لوس انجلوس الدولي في عطلة رأس السنة، كجزء من قضية باتت تعرف بمؤامرة الالفية. كان رسام يقيم في مونتريال وكان قد غادر المدينة قبل وصول محمدو لكن الأخير كان يعقد اجتماعات في جامع السنة وكانت له ارتباطات مع العديد ممن وصفهم محمدو في جلسة الاستماع في محكمة انظر بوضع المقاتل برفاق السوء مطلقا هذه الصفة على زملائه في الدراسة.

لقد تسبب اعتقال رسام بفتح تحقيق كبير وسط الجالية المسلمة المهاجرة في مونتريال والجالية التي تؤم جامع السنة بشكل خاص وللمرة الأولى في حياته تعرض محمدو للاستجواب بخصوص ارتباطاته الارهابية المحتملة.

وفي جلسة الادلاء بشهادته عام 2005 امام جلسة استماع الهيئة الادارية باعادة النظر ورد على لسانه بأن الشرطة الكندية الملكية الخيالة جاءت واستجوبتني ويمضي في الادلاء بشهادته قائلا:

كنت فزعا سألوني إذا ما كنت اعرف أحمد رسام وقلت: لا لا.

كنت مرعوبا إلى حد أنني كنت ارتجف... لم أكن معتادا على هكذا امر فتلك هي المرة الأولى التي اتعرض فيها للاستجواب. حاولت التماسك والابتعاد عن الاضطراب لاقنعهم بقولي الحقيقة ولكنهم كانوا يراقبونني بطريقة بشعة للغاية. لا بأس بأن تراقب لكنه امر سيء أن ترى الذي يقومون بمهمة مراقبتك. كان شيئا أخرق ولكنهم أوصلوا بذلك رسالة مفادها أننا نراقبك.

في موريتانيا تلقت اسرة محمدو انذارا بالخطر. ماذا تفعل في كندا؟ سألت الأسرة فرد عليهم: قلت لكم لم أفعل شيئا، ابحث فقط عن عمل. عندئذ قررت اسرتي ضرورة عودتي الى موريتانيا متيقنني بأنني في ظروف سيئة ولابد من انقاذي.

هاتفته زوجته السابقة بالنيابة عن اسرته لخبره بأن والدته مريضة. هاكم ما قاله بخصوص هذا الموضوع أمام هيئة اعادة النظر:

اتصلت بي وهي تبكي وقالت: إما ان تأخذني الى كندا أو ان تأتي انت الى موريتانيا. قلت لها: مرحبا بالله عليك هوني الأمر. لم أحب الحياة في كندا لا استطيع التمتع بالحرية لاني مراقب. انا اكره كندا ثم قلت: العمل صعب للغاية هنا. اقلعت طائرتي يوم الجمعة في الحادي والعشرين من يناير 2000. سافرت برحلة للطيران من مونتريال الى بروكسل ومن هناك الى داكار.

برحلة الطيران تلك تبدأ الأوديسة التي ستصبح يوميات غوانتانامو لمحمدو انها تبدأ من هنا لأن قوة واحدة فقط تقرر مصير محمدو بدءا من هذه اللحظة وتلك القوة هي الولايات المتحدة جغرافيا ستغطي ما يسميها الجولة العالمية اللانهائية للحجز والتحقيق مساحة عشرين الف ميل على مدى الفترة الزمنية اللاحقة ثمانية عشر شهرا بدءا من العودة المفترضة الى البيت في الوطن الام وانتهاء بالقائه في الجزر الكاريبية التي تبعد عن بيته مسافة اربعة آلاف ميل وفي الطريق الى تلك الجزيرة سيتم التحقيق معه في اربعة بلدان غالبا بمشاركة الامريكان وكان ذلك دائما بامر من الولايات المتحدة.

وفيما يلي تظهر اولى تلك الحجوزات التي تم توصيفها في جدول زمني اوردها قاضي المقاطعة الامريكية جيمس روبيرتسون في قراره لرفع السرية عن ملف محمدو في عام 2010 والذي بموجبه يقبل طلب محمدو للمثول امام المحكمة:

يناير 2000 ينتقل جوا من كندا الى السينغال حيث يلتقيه اخوه ليأخذه الى موريتانيا القي القبض عليه وعلى اخيله من قبل سلطات ........ وتم استجوابه بخصوص مؤامرة الالفية جاء أمريكي والتقط الصور واغلب الظن ان شخصا امريكيا قد نقله بعدئذ جوا الى موريتانيا حيث اجري له المزيد من الاستجواب من قبل السلطات الموريتانية حول مؤامرة الالفية.

فبراير 2000 تم استجوابه من قبل ......... حول مؤامرة الالفية.

14/02/2000 اطلقت .......... سراحه على اساس غياب الادلة التي تثبت تورطه في مؤامرة الالفية.

قال الموريتانيون: لا نرى ضرورة لابعادك لست محط اهتمامنا. ويذكر محمدو واصفا اطلاق سراحه ذاك في جلسة الاستماع امام هيئة اعادة النظر الادارية سأتهم: ماذا عن الأمريكان؟ قالوا: يقول الأمريكيون باستمرار ا نلك صلة ولكنهم لم يقدموا لنا أي قاطع ليس هناك ما نستطيع عمله.

لكن القاضي روبيرتسون يؤرخ جدوله الزمني بأن الحكومة الموريتانية استدعت محمدو مرة أخرى بطلب من الولايات المتحدة بعد هجمات 11/9 الارهابية بفترة وجيزة:

29/9/2001 اعتقل في موريتانيا اخبرته السلطات ......... ان صلاحي متورط في مؤامرة الالفية كما هو مزعوم.

12/10/2001 بينما كان معتقلا قامت مجموعة من العملاء بتفتيش بيته فصادرت منه اشرطة ووثائق.

15/10/2001 اطلق سراحه من قبل السلطات ...........

بين هذين الاعتقالين اللذين حضر في كل منهما عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي لإجراء تحقيقات معه كان محمدو يعيش حياة عادية بل حياة ناجحة بمقاييس بلده حيث كان يعمل في مجال الكمبيوتر والالكترونيات في البداية لصالح شركة طبية تقدم ايضا خدمات الانترنيت بعد ذلك عمل لصالح اسرة تمتلك الكثير من الاعمال الهامة ولكنه كان قلقا في هذه الفترة مع انه كان حرا وعاد الى حياته كما شرح لهيئته اعادة النظر الادارية:

اعتقدت أن توقيفي سيشكل مشكلة صاحب عملي فقد لا يعيدني الى العمل لأنني مشتبه به بالارهاب لذا قالوا انهم سيتهمون بهذا الجانب واتصل رجل رفيع المقام من المخابرات الموريتانية بصاحب عملي امامي وانا جالس هناك واخبره بانني انسان جيد واضاف: ليست لدينا مشكلة (معه) لقد اعتقلناهم لسبب ما. كان علينا ان نستجوبه وهاقد استجوبناه ولا شيء يمنعه من الذهاب لذا يمكنك اعادته الى العمل.

اعاد رب العمل محمد والى عمله وبعد شهر سيأخذه عمله الى القصر الرئاسي الموريتاني حيث قضى يوما في اعداد مناقصة لتحديث النظم الكمبيوترية والهاتفية للرئيس الموريتانية معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع.

يتواصل

نقلا عن يومية الأمل الجديد

ملاحظة: (الحلقات 1-4 / ) يمكن مشاهدتها من خلال الرابط التالي:  http://arayalmostenir.com/node/1187