رحلت كما كان آباؤك يرحلون (في تأبين الشيخ موسى ولد الشيخ سيدي): د. باب ولد أحمد ولد الشيخ سيديا

خميس, 02/25/2016 - 12:46
المرحوم الشيخ موسى ولد الشيخ سيدي

رحلت بدون وداع كما كان آباؤك يرحلون في صمت مهيب... رحلت في هدوء الخاشعين العارفين بمصائرهم انطلاقا مما زرعوا في أراضيهم الجدباء والقاحلة... رحلت لتعلمنا أن الخلود حقا في المآثر المعطاء بتعابيرها الدلالية المعبرة عن الخصال والصفات المستوحاة من أريج نبوي طالما كان مبتغى ومسعى لكل مؤمن فهم المقاصد والمآلات ... رحلت لنفهم أن الرحيل سنة دونت  وكتبت في الأزل لبنى البشر جمعاء.

هو الرحيل إذا عن عوالمنا إلى العوالم الحقة، حيث يجنى الحصاد ويجازى المحسنون على ما قدموا لمجتمعاتهم من خير عميم  ووافر في مثلهم الشخصية وصفاتهم، وما سنوا من خصال حسنة  دأبا على سنن من قبلهم عملا على  إظهارها، والاشتغال بما يبقى ويمكث في الأرض،  والعض عليه  بالنواجذ.

لن أتكلم عن الخصال فتلك معروفة لا داعي لذكرها أو إعادتها، خوفا من أن نكون مظهرين لما امتنعت عن إظهاره في حياتك خوفا من الرياء أو المباهاة، أو القول في فعل خير أنت منجزه، سيرا على سنة ينتفي فيها حضور الأنا الفردي إلى الآخر الجمعوي، فالصمت أولي لخدمة البشر بمنطق الأب الحنون الحريص المتفهم لأصناف البشر وأذواقهم وميولاتهم. ثم لأن الكتابة عنك ستكون وافرة مستقبلا متعددة الاختصاصات والاتجاهات مما سيخلد وتكتبه أنامل عنك معطاء صادقة في مواقفها مقدرة لجهدك وما قدمت لبني جلدتك.

نعم أكتب عنك  وأنا القريب منك  من الناحية  الجينالوجية والنسبية، لسبب يكمن في  أن اللحظات الإيمانية تنصهر  فيها الذوات  ليبقى التعبير عن ما يدور في خلجات النفس سنة مشتركة بين بني البشر ، لم أكتب عنك لتدون الخصال، ولا أن أظهر أشياء كالشمس فى رابعة النهار فتلك ستدون حقا.

ستبكيك الأرامل واليتامى  و كل من وجد فيك ملجآ آمنا حين الفواجع والملمات، ستبكيك هواجع الليل فى نسوكك وصلواتك امتثالا للأوامر الربانية السامية، حتى في مواقفك الوسطى المتأثرة بقراءة ما تحت السطور قراءة متأنية  ذبا ودفعا عن المجموع ستبكيك هي الأخرى، لكأن البكاء هنا بكاء لا يجف ولا يندمل لتعدد أنماطه ومسالكه على درب باكية أخاها.

هي حقا فاجعة وأمر جلل  ألم بنا لكن  إيماننا واحتسابنا يخفف وطأتها طمعا فيما عند الله من ثواب للمؤمنين بقدره الموقنين بأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، فلعمري كل من عليها فان ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام. وما بعد كلام رب العزة من كلام.

هي لحظات حزينة ومؤثرة تنعدم فيها العبارات التعبيرية ويجف القلم ليترك المجال للتفكر والاعتبار في أمر الرحيل والموت فما أصعب المذاق والتقبل، لكننا على يقين أنه مامات من أبقي ثناء مخلدا. فستبقى حيا في القلوب بأفعالك وصنائعك ولو ووريت الثرى  في تراب البعلاتية.

على روحك السلام فلتنعم بما أعد الله للمتقين والشهداء والصالحين من نعيم تنسى معه لوعة الفراق وفقدان الأحبة. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا برحيلك لمفجوعون. رحم الله السلف وبارك في الخلف.

بتلميت مساء الثلاثاء الموافق 22/02/2016