دمج البيئة في إستراتيجيات التنمية (الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة وخطة العمل الوطنية للبيئة)

ثلاثاء, 06/14/2016 - 12:17

في إطار الاتفاق الموقع بين الحكومة الموريتانية والاتحاد الأوروبي قدم برنامج الاتحاد الأوروبي للمجتمع المدني والثقافة  PESCC دعما لجمعيتنا من أجل إنجاز المشروع المسمى مشروع التحسيس الوطني للتنمية المستدامة وحماية البيئة

 
من الوعود إلى الواقع

قبل عشر سنوات تقريبا (أكتوبر 2006)، تم إطلاق الإستراتيجية الوطنية الأولى للتنمية المستدامةثلاثة أشهر بعد إنشاءكتابة الدولة لدى الوزير الأول المكلفة بالبيئة (1). وتشكلإطارا للتصميم على مدى عشر سنوات لإنجاز الخطط الخماسية العملياتيةالمتعاقبة، خطط العمل وطنية للبيئة والتنمية المستدامة(خطة العمل الوطنية الأولى للبيئة وخطة العمل الوطنية الثانية للبيئة)، يهدف، على وجه الخصوص، الربط بالإطار الاستراتيجي لمكافحة الفقرفي "انسجام تام" مع أهداف الألفية للتنميةالتي تم إعلانها، منذ عام 1992، من قبل المبدأ الأول من إعلان ريو دي جانيرو، الذي أعلن فيه حق العالمي لكل إنسان في العيش بكرامة في بيئة صحية.

رسمت الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة لنفسها خمسة محاور رئيسية هي: موريتانيا تعزز الوسائل المؤسسية والسياسية وتسيرالبيئة والموارد الطبيعية تسييرا فعالا؛ وتشجع النفاذإلى الخدمات الأساسية كوسيلة إستراتيجية لمحاربة الفقر؛ تعي الرهانات متعددة القطاعات ومتعددةالمستويات (من المستوى المحلي إلى المستوى العالمي) لإشكالية التنمية المستدامة، وتشجع، على كل هذه المستويات، تسييرا مندمجا وتشاركيا، من أجل الاستخدام الفعال للموارد الطبيعية؛ وتعتزم تسيير بيئتها المحلية والعامة طبقا للالتزامات المقطوعة في المعاهدات الدولية؛ ويجب عليها، في نهاية المطاف، وضع آليات التمويل لخطة عملها الوطنية للبيئة.

وتمثلأحد شروط نجاح هذه الخطة في تمكن السياق المؤسسي والإداري، في نفس الوقت، من الأخذ في الحسبان بوضوح لنهج التنمية المستدامة والتقاسم، على أوسع نطاق ممكن، لهذا الشرط مع السكان. وللقيام بذلك، ننوي: تعزيز الإطار المؤسسي الجديد - من خلال إعادة تموقع البيئة في الإطار القائم وإنشاء هيكل مخصص للبيانات البيئية - وضع أهداف محددة من حيث الاتصال والتكوين والتثقيف حول البيئة، وخاصة لدى الشباب ـ وعلى وجه التحديد في العمل المحلي وتبادل الخبرات ـوضع آليات للحوافز الاقتصادية والتنظيمية - على سبيل المثال، من خلال تحسين دراسات الأثر البيئي وتعزيز طرق ووسائل الرقابة من أجل التنفيذ الفعلي للإطار التشريعي والتنظيمي - وأخيرا، وضععملية مستمرة وقابلة للتكيف من أجل متابعة وتقييم وتحديث تطبيق خطة العمل الوطنية للبيئة.

شكل الترابط مع الإطار الإستراتيجيلمحاربة الفقر العمل الأساسي للمحور الإستراتيجي الثاني، مع أولويات النفاذ الشامل والمستدام إلى الطاقة والماء الصالح للشرب والصرف الصحي، والتنمية الحضرية السليمة والمنصفة، الخ.أما المحور الثالث، المرتكز حول الموارد الطبيعية التي يمكن استغلالها بأشكال مختلفة و/ أو حمايتها،  فقد شدد على ضرورة التسيير التشاركي المحلي، من خلال تشجيع الروابط بين البيئة والتنمية.  ويدخلدمج مكافحة التصحر ضمن الاستصلاح الترابي في نهج إدارية أكثر شمولية، شأنه شأن الطموح إلى رؤية تسيير أفضل لاستغلال الموارد التجارية والسمكية والنفطية و المعدنية.

سنعود، في مقال خاص مقبل،إلى المحور الرابع، الذي يتجاوز على نطاق واسع نسبيا، حدود موريتانيا. أما المحورالخامس، فقد طرح، بعد ملاحظة خصوصية تمويل التنمية المستدامة، حيث الاستثمارات ليست بداهة إنتاجية، ضرورة الابتكار في تعبئتها الداخلية والخارجية، قبل جمعها، بشكل مفضل، مع اللامركزية: دعم المبادرات والممارسات المحلية الجيدة، واستكشاف كافة فرص التمويل المباشر والخاص للمجتمعات المحلية من قبل الشركاء، والتخصيص الجهوي لعائدات الضرائب والرسوم البيئية المحتملة،أو أيضا، التزام متعدد السنوات لميزانية الدولة بالتمويل، على أساس جهوي، لجزء من النفقات البيئية... قبل عشر سنوات، خلصت الوثيقة الوصفية للإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة إلى ضخامة المهمة، مشيرة على وجه الخصوص إلى أنه: "ليس من المؤكد، دون إحراز تقدم حاسم للديمقراطية اللامركزية، أن تستطيع موريتانيا مواجهة التحديات المتعددة التي تتناولها هذه الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة…"

بعد خمس سنوات...

في عام 2012، ظهرتالوثيقة الوصفية لخطة العمل الوطنية الجديدة الثانية للبيئة. وتتمثل أهميتها الرئيسية لهذا المقال في إجراء تقييم نقدي لسابقتها. ومهما كانت موجزة، فقد امتازتبعدمادعاء المدح، وبدلا من ذلك، بينت الأخطاء وأوجه القصور في استخدام أكثر من ثمانية مليارات أوقية التهمتهاخطة العمل الوطنية الأولى للبيئة، على أمل استخلاص الدروس من ذلك. وهكذا بعد الإشارة إلى السلسلة الواسعة من أدوات التخطيطوالتسيير التي تم ضعهاو"تطبيقها نسبيا"ـ مشروع محاربة التصحر، المشروع متعدد القطاعات لمحاربة التصحر، البرنامج الغذائي الوطني ـ محاربة التصحر (2)، الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، خطة العمل الوطنية الأولى للبيئة ومختلف المشاريع الأخرى لدعم صيانة وتنمية الموارد الطبيعية ـ واصل المؤلف متأسفا على كون "تنفيذ معظم هذه المبادرات لم يرق في الغالب إلى مستوى الآمال. كانت طموحات كبيرة، ولكن قدرات التنفيذ والمتابعة والتقييم محدودة جدا، ولاسيما من حيث فعاليةالدور المسند والتفويض الممنوح للوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة والتنمية المستدامة وللموارد البشرية والمالية."

تم إعداد خطة العمل الوطنية الأولى للبيئة على شكل "مصفوفة تنفيذية"، وأرادت العمل "على نطاق واسع". ووجدت نفسه، فجأة، مغمورةبالمحاور العملياتية والأهداف والنتائج المنتظرة، والأنشطة المبرمجة... وباختصار، "كيس كل شيء دون تحديد الأولويات"وأقل جدوى لأنها تفتقر إلى "إطار قانوني وعملي حقا للتشاور والتحكيم من أجلتسيير مندمج للبيئة." إن الربط القائم بين خطة العمل الوطنية للبيئة والإطار الإستراتيجيلمحاربة الفقر، قد وضع، مع ذلك، البلاد في صفوفالبلدان التي توجد فيها القضايا البيئية مكانة بارزة في الوثيقة الإطارية لسياساتها الاقتصادية، وهذا شيء إيجابي، حسب الوثيقة

إن الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، كما رأينا في وقت سابق، قد تصورت التنمية المستدامة في كامل مجملها وكان على خطة العمل الوطنية للبيئةأن تترجم هذه الرؤية في تعددللأعمال المشتركة بين القطاعات،بل بين الوزارات. ولكن "إطار التشاور، المصمم بطريقة غير رسمية وغير مؤسسية، لميعمل"وتراكمت الاختلالات بسبب عدم اتفاق الفاعلينحول منهجية التنفيذ وإجراءات المتابعة والأدوار والمسؤوليات والوسائل...  وباختصار، سادت الفوضى، والاستنتاج المؤسف أنه في موريتانيا " لا يتوفر قطاع البيئة على رؤية شاملة ومتكاملة ومتماسكة، مؤسسةعلى مقاربة تشاركية لجميع الفاعلين المعنيين". وبعبارة أخرى، لم تفهمالإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة لأنها لم يتم وضعها مع الناس، أو على الأقل لم تناقش بما فيه الكفاية، قبل انطلاقخطة العمل الوطنية للبيئة.

هكذا أطلقتالوزارة على المستوى الوطني في عام 2010، ثم الجهوي، في العام التالي، استعراضا واسعا وشاملا للقطاع، تمثلت مهمتهفي تحديدمعالم طريق خطة العمل الوطنية الثانية للبيئةتحديدا واضحا. وتم فيها إعلان مختلف الضرورات: إعادة تعريف المهمة والتنظيم الداخلي والتموقع المؤسسي للوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة والتنمية المستدامة، لتمكينها من الممارسة الفعالة لدورها متعدد الاتجاهات،وتحديد المسؤوليات بدقة، منخلال حصر عدد مسؤولي الاتصال؛ والتموقع القويللمجلس الوطني للبيئة والتنمية وسكرتاريته الدائمة والمجلس الفني للبيئة والتنمية والمجلس الجهوي للبيئة والتنمية في قلب آليات التشاوروزيادة تكوين الفاعلين، وخاصة المجتمع المدني، والذين يمكن أن يساعدوا في تنفيذ السياسات والإستراتيجيات...

كما تعلق الأمر، أيضا، بمواجهة مختلف أوجه القصور المنهكة: عدم وجود نظام متابعة وتقييم يوثق به،  عدم وجود عروض التكوين، عدم ملاءمة توزيع المصادر البشرية (3)، المؤهلات والموصفات غير ملائمة لضرورة إشراك السكان في تسيير بيئتهم، اكتظاظ وتشتت النصوص المتعلقة بالقطاع، ومما يزيد من الصعوبة أنها تتعارض أحيانا ولا تتناسق إلا نادرا، وكما هو الحال دائما، نقص وسائل التسيير...

 

وبعد ذلك بخمس سنوات أيضا؟

حصلت خطة العمل الوطنيةللبيئةعلى غلاف مالي يتجاوزثمانية وعشرين مليار أوقية لتغطية سنوات وجوده الأربع، وقد اكتملت ولايته نظريا في شهر أبريل عام 2016، بينما كانت ولايةالإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة لتنتهي في شهر أكتوبر. وننتظر، مع بعض نفاد الصبر، نشر نتائجهاالملموسة ميدانيا. إن نتائجخطة العمل الوطنيةالأولى للبيئةتسردسلسلة طويلة ومخيبةمن التدهوراتالمتواصلةباستمرار،بلالمتزايدة: التصحر، الموارد الطبيعية، الأراضي الصالحة للزراعة، الحيوانات،النباتات، إطار الحياة... ثمانية مليارات لمثل هذه النتيجة، لقد كانالثمن باهظا جدا... وإذا كنا لا نتوقع المعجزات، بعد عشرين سنة أخرى، فهل سنرى، على الأقل بعض العلامات على قلب الاتجاهات ؟ وهل رسخ  الشعار الذي أطلقتهالوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة والتنمية المستدامة في عام 2012 "يجب علينا أن نعتني بالبيئة  وحبها وحمايتها!"أخيرا  في قلوب الموريتانيين؟

إيان منصور دي گرانج

ملاحظات
(1) بعد ذلك تم تجديد الوزارة المنتدبة (لدى الوزيرالأول) المكلفةبالبيئة والتنمية المستدامة).

 (2) PLCD:مشروع محاربة التصحر، PMLCD: المشروع متعدد القطاعات لمحاربة التصحر؛ PAN-LCD:البرنامج الغذائي الوطني ـ محاربة التصحر

(3) الموظفون متمركزونبشكل مفرط على المستوى المركزي: 385 شخصا في نواكشوط مقابل 95 محولين "نظريا" إلى الولايات ...