العلامة المختار بن بونا الجكني رحمه الله

سبت, 05/27/2017 - 10:06
عن صفحة المدون عبد الله محمدو

أولا: اسمه ونسبه

هو المختار بن محمد سعيد (المعروف ب "بونا"[1]) بن محمد سعيد ابن المستحي من الله بن سيد اعل بن زلماط الجكني.

وأمه ميْرم بنت بخيري من أولاد موساني الجكنيين.

عُرف لدى العامة والخاصة بابن بونا، وغلب عليه هذا اللقب حتى لا يكاد يسمع الاسم الحقيقي له إلا نادرا.

ثانيا: مولده ووفاته

ولد ابن بونا ببلدة: "اكفليت"[2]، وقد توفي في "تباريت"[3] 

وليس من السهل تحديد تاريخ ولادته، لا لكونه ولد في بيئة بدوية لا تحفل بكتابة التاريخ وتقادم عهدها فحسب، ولكن أيضا لاضطراب الروايات وتباين آراء الباحثين حول فترة عمره بعد التسليم أنه توفي سنة1220 للهجرة وهو ما يمثل السند التاريخي الذي يمكن الارتكاز عليه لتحديد زمن ميلاده.

لقد رجح بعض الباحثين[4]  أنه ولد سنة 1085 للهجرة.

 بينما جزم بعضهم[5] أن مولده كان سنة 1080 للهجرة على حين نرى فريقا ثالثا[6]

يراه عاش مائة وعشرين سنة فقط وعليه يكون تاريخ ولادته 1100 هـ.

ولا نعدم قولا رابعا[7] يصرح بأنه لم يعش إلا 112 سنة فيكون مولده بالنظر إلى هذا القول: 1108 هـ.

وهنالك بالإضافة إلى هذه الأقوال أقوال أخرى[8]

ونحن في عرضنا لهده الآراء إنما نسعى إلى التوصل إلى أقربها للصواب.

وقد رجحنا أن مولد الرجل كان 1080 للمعطيات التالية:

1-تصريح بن حامد[9]  تصديرا بأنه عاش 140 سنة[10]

2-نظم بعض العلماء لعمره:

وعن ثقاث عن ثقات عاشا    نيفا من بعد مائة معاشا[11]

وأثبتوا بالحق أن النيفا           "ميم" بعيدها وقيت الحيفا[12]

 

3-كون هذا التاريخ وسطا بين الأقوال.

أما تاريخ وفاته فقد أشرنا إلى أنه كان سنة 1220 هـ وهو ما درج عليه الباحثون الذين سبقونا.

حتى ادعى محقق مبلغ المأمول الإجماع على ذلك[13] تحويلا على بيت أبي بكر بن حجاب[14]

وعام: "كاف" بعد: "رنْ"  وألف      غال ابن بونا الحبر سيف الحتف.

وفيه نظر فإن صاحب[15] "منح الرب الغفور فيما أهمله فتح الشكور" ذكر أن ابن بونا توفي 1208 هـ ، وهذا رأي حري بأن ينبه عليه ويناقش.

وفي سبيل مناقشته:

 1-نشير إلى أننا وجدنا في بعض الوثائق البيتين:

توفي ابن بونا عام شكر     عن ثقة رويت دون نكر

وعن ثقات عن ثقات عاشا   نيفا من بعد مائة معاشا

2-لو كان ابن بونا متوفى سنة 1208 هـ لكان والد بن خالنا الديماني أرخ لوفاته كغيره من الأعلام ، فكون ابن خالنا المتوفى 1212هـ لم يؤرخ لوفاة ابن بونا يدل على أن الأخير كان حيا سنة 1212 ه

وهو ما يرجح كفة الرأي القائل أنه توفي 1220ه.

ولعل مصدر الوهم الوهم الذي وقع فيه صاحب "منح الرب الغفور" هو قول صاحب [16]فتح الشكور

 

 

بشأن ابن بونا : (وكان الآن حيا في مئتنا هذه، وهذا العام هو عام ثمانية ومئتين وألف).

نشأته وشيوخه:

نشأ المختار بن بونا في بيت جذوره ممتدة في العلم والصلاح، وكان أخوه الأكبر أحمد مزيد يصحبه معه إلى الدرس، وكان بليدا في أول طلبه للعلم حتى عيره البعض بالجهل...وبعد صبر ومثابرة فتح الله عليه بعد نومة طويلة عندما كان يدرس على المختار بن حبيب الجكني، فصار لا يقرأ شيئا إلا حفظه وفهمه، ودرس على مجموعة من شيوخ عصره منهم محمد العاقل الديماني ومن هنالك انطلقت معه مجموعة من الطلبة  الذين شكلوا النواة الأولى لمحظرته.

ثالثا: أبرز شيوخ المختار بن بونا

المختار بن حبيب الجكني- حبييب بن محمد الجكني – انجبنان بن أحمد جهه الألفغي[17] - محمدا بن بوحمد المجلسي - البدوي بن محمدا المجلسي - محمد العاقل الديماني – خديجة بنت محمد العاقل- سيدي عبد الله بن محم (بن رازكة) العلوي – محمذن بن ببان العلوي –المختار بن باب حونن الحسني – أشفغ المختار الشقروي.

رابعا: العطاء العلمي

ظهرت أولى مؤلفات المختار بن بونة سنة 1123 ه وهو كتاب: مبلغ المأمول إلى قواعد الأصول، ثم كتاب: تحفة المحقق في حل مشكلات المنطق 1151 ه

وقد تألق عطاء مدرسة المختار بن بونة ابتداء من الربع الأخير من القرن 12 الهجري فقد كانت محظرته من أعظم المدارس في عهدها إذا كانت تجمع أبناء البلاد السائبة فلم تكن مدرسة لقبيلة بعينها ولا لجهة معينة وإنما كانت مدرسة ظاعنة تعمل على كشف غياهب الجهل وتوفر زلال المعين الفكري لكل ظامئ، ولذا شاع في القبائل ذكره حتى تنافست في استضافته وكسب وده بل ما من قبيلة إلا وتتلمذ عليه أفراد منها.

ومن هنا قال عنه صاحب الوسيط: تاج العلماء الذي طوق بحلي علمه كل عاطل ووردتْ هيم الرجال زلاله فصدر عنه كلهم وهو ناهل.

ولقد كانت مدرسة المختار بن بونا مدرسة تعطي للعقل حقه وتستخدم مختلف الأدوات من منطق ودراسة موسوعية للنحو وأصول الفقه وغير ذلك ولذا وصفها البعض بأنها كانت مدرسة موسوعية في منهجيتها وفي محتواها.

وقد كانت مدرسة المختار بن بونا مدرسة متنقلة حتى شق ذلك الترحال على أحد طلبته[18] فقال:

لك اللهُ من شيخ إذا ما تبوأتْ     تلاميذه مأوًى لنصب المدارس

تيمَّمَ ميمون الخصاصة فاترا        على ظهر مفتول الذراعين عانس

يفزِّعُ  نون[19] البحرِ[20] طورا وتارةً        يُهَدِّمُ جحْرَ الضب في رأس مادس[21]

وقد كانت تدرس في هذه المدرسة شتى أنواع العلوم الشرعية واللغوية، قال العلامة حرمة بن عبد الجليل  يصف محظرة المختار:

فيها تجمع سيبويه[22] ويوسف[23]    والكاتبي[24] والأشعري[25] وأشهب[26]

وقد وصف المختار بن بونا رحمه الله مدرسته في إحدى قصائده فقال:

 

ونحن ركب من الأشراف منـــــــــــتظم

 

أجل ذا العصر قــــــــــــــــــــــــــــــــدرا دون أدنانا

 

قد اتخذناظهور العيس مــــــــــــــــدرسة

 

بها نبين دين الله تـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبيانا

 

نتلو كتاب إلهِ العرش كل مـــــــــــــــــــسا

 

وكل يوم فمن نلقى تــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوقّانا

 

وكانت للمختار بن بونا رحمه الله أخلاقا من الجود والحلم والصبر على التدريس ما جعل طلابه يحرصون كل الحرص على مصاحبته مهما كانت التحديات.

خامسا: مؤلفات المختار بن بونه

1-الجامع بين التسهيل والخلاصة المانع من الحشو والخصاصة

وهو نظم في النحو يربو على ألف بيت عقد فيه من تسهيل بن مالك ما لم يذكر في الألفية ومزجه بها مزجا دقيقا.

يعرف هذا الكتاب لدى الطلاب بالاحمرار لكتابته بذلك اللون، ويعرف بالطرة ..

وقد شرحه أكثر من ثلاثين عالما ...

وتوجد نسخة خطية من هذا الكتاب في المعهد الموريتاني للبحث العلمي تحت رقم: 1293

2-المقدمة: وهي كتاب نثري في النحو وضعه على غرار كتاب ابن هشام: "قطر الندى وبل الصدى"، وقد نظمه بعض العلماء[27] وتوجد نسخة لدى المعهد م ل ع رقمعا: 3330

3-سلم الطالبين إلى قواعد النحويين ، وضعه للمبتدئين في أقل من 200 بيت

4-نظم الجمل : وقد خصصه للمباحث المتعلقة بإعراب الجمل، شرحه تلميذه سيدي محمد بن سيدي عبدالله ولد الحاج ابراهيم، توجد نسخة من هذا النظم مع شرحه في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية في انواكشوط.

5- إرشاد الصغار:  وهو مؤلف نثري في النحو لا يتجاوز بضع صفحات وضعه للمبتدئين، توجد منه نسخة في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية

6- تبصرة الأذهان في نكت المعاني والبديع والبيان

وهو نظم حاوٍ لعصارة البلاغة كما هي في: "التلخيص للخطيب القزويني

يقول في بدايته:

يقول راجي فضلَ ربه الغني    إبن محمدِ السعيدِ الجكني

توجد منه نسخة المعهد.م.ب. ع تحت رقم: 2535

7- تحفة المحقق في حل مشكلات المنطق

وهو نظم في حوالي 300 بيت ضمنه مختصر السنوسي وزيادة ، تجد منه نسخة في المعهد م.ب. ع تحت رقم: 713

8- طرة على نظم السلم للأخضري توجد منه نسخة في المعهد م.ب. ع تحت رقم: 1125

9- مبلغ المأمول إلى قواعد الأصول:

وهو نظم حوالي: 1600 بيت عقد به جمع الجوامع لابن السبكي، ويعتبر أقدم مؤلف موريتاني في هذا الفن ، تم نحقيقه في رسالة تخرج من المعهد العالي...1987

توجد نسخة خطية في المعهد م. ب.ع   رقم: 2291

10- درر الأصول في علم الأصول

نظم يقع في حوالي 300 بيت

11- وسيلة السعادة في التوحيد

نظم يزيد على 1000 بيت وقد ضمنه تآليف السنوسي الخمسة: (العقيدة الكبرى- العقيدة الصغرى – أم البراهين- العقيدة الوسطى – شرح لامية الجزائري)

ولهذا النظم شروح كثيرة...

توجد منه نسخة خطية بالمعهد م.ب. ع   رقم: 1729

12- نظم في مسائل العقائد

13- فتاوى متنوعة منها ما يسمى "عنديات المختار بن بونا" وأنظام متفرقة في الفقه وفي الانساب، ومن ذلك نظم النسب المغفري الذي يخالف فيه الجمهور حيث يقول:

إن المغافرةَ طرا حميرهْ       من أصل كندةَ العظامِ البرَرَةْ

14- قصائد شعرية ذات أغراض متنوعة

وقد جُمع : ديوان المختار بن بونا  من طرف: محمد محمود ولد محمد الأمين وذلك في رسالة تخرجه 1993 م من جامعة انواكشوط بإشراف الدكتور أبوه ولد اعمر

وهذا الديوان سنشر قريبا إن شاء الله

سادسا: من أبرز تلاميذ المختار بن بوتا

المامون بن محمذٌ الصوفي (إداتفغ): 1133 -1232

حرمة بن عبد الجليل العلوي:  1151- 1243

سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم العلوي: 1152-1233

محمد (لمجيدري) بن حبلَّ اليعقوبي         1165- 1204

سيدي عبد الله بن الفاضل الشمشوي   ..... –1209

عبد الله بن الطالب أحمد الغلاوي    .... – 1209ه

محمذ بن عيدَّ الجكني            أواخر12- أواخر 13

غالي بن مختار فال البوصادي    ... – 1240ه

مولود بن محمد اجويد  اليعقوبي   1171- 1243

سيدي محمد بن سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي  .... – 1250ه

حبيب الله (الإمام) بن ماناه  ...

بلا بن الفاضل الشقروي   .....---- 1274 ه

إدييج بن عبد الله الكمليلي   ....  1277ه

سيد عبد الله بن أحمد دامُ الحسني   (1166- 1286ه)

أحمد المقري العلوي الطبيب

أحمد مولود بن الشيخ سيدي الأمين الجكني

ابن مقامه الجكني

العبد بن النحوي بن المختار بن بوب

فحفُ (عبد الرحمن) بن المختار المسومي

قاظين بن الأمين التندغي

محمد بن امبارك

المختار بن حبيب (الصغير) الجكني

المختار بن حبيب فال بن التلاميد

المختار بن سيدي أحمد بن سيدي الهادي التمدكي

المصطفي بن جمال الدين  التندغي

المصطفى بن حبيب الجكني

الهاشمي بن الأمين اليدسمي.

وقد تتلمذ على المختار بن بونا الكثير من أبناء القبائل المنتشرة في مناطق الصحراء الكبرى حتى بلاد السودان.

نسأل الله العلي القدير أن يتغمد المختار بن بونا بواسع رحمته ويدخله فسيح جناته، فلقد كان رحمه الله كثير الدعاء والتضرع ومن وفقه الله لملازمة الدعاء لم يحرمه من الإجابة.

سابعا: من كلام الؤلفين عن المختار بن بونا

وهذه نقاط مختصرة من ترجمة المختار بن بونا كما أوردها ابن امبوجة عند شرحه للوسيلة.
ومؤلف هذا الشرح للوسيلة هو: سيدي عبد الله بن سيدي محمد بن محمد ابن انبوجه العلوي التيشيتي المتوفى قريبا من نهاية القرن الثالث عشر الهجري 1300/1866.

وقد ولد سنة 1247هـ

قال في هذه الترجمة:

الشيخ العالم العلامة، البدر الفهامة، حجة الإسلام وبدر التمام، القائم بالعلم أوانَ انقضاضه، والحامل لواءه في جحفل رياضه، الشيخ المختار بن سعيد بن بونَا المعروف بابن بونَا الجكني... .

....قال في فتح الشكور: كان رحمه الله عارفا بأصول الدين، نحويا، لغويا، بيانيا، منطقيا، متفننا، مدرسا لعلوم العربية والمعقول من شيوخ العصر، ثاقب الذهن، يد النظر، نجيبا بذولا للإنصاف سريع الجواب، سريع ا لرجوع إلى الحق، أديبا شاعرا محبوبا فائقا في الشعر....

----.

وقال شيخنا في: الإعلام بالمواطن والأعلام، في آخر باب النون: "كان المختار بن بونا هذا من تجكانت من زاوية المغرب الأقصى المشهورات بالعلم والدين، وكان إمام علامة مبرزا في علم العربية وعلم الكلام، وله اليد الطولى في غيرهما من العلوم.

وأخذ عنه كثير من مشاهير علماء المغرب الأقصى".

 ابن بونا ورحلة العلم

قلت: وحدثني الثقة أنه بلغ نحو خمسٍ وعشرين سنة ولم يلتفت إلى العلم ولا إلى ما يقاربه جملة ثم طلب العلم فكان أول طلبه له أنه كان ذلت يوم في أهله فمر رجل من بني عمه بامرأة وبيدها لوح فطلبت من يفهمها معناه فقالوا لها: إن شئت التحقيق فابعثي إلى المختار بن بونا ليقرئك مضمون ما فيه، يستهزؤون به. فأرسلت إليه ففطن لما عُمِل به، فذهب إلى بطحاءٍ في فلاةٍ ولم يزل يطلب من الله ويتضرع إليه بطلب العلم حتى نام في خلال ذلك، فأتاه آت في المنام فجعل فاه في فيه، فقاء فيه حتى امتلأت جوف المختار، ثم استيقظ، فذهب إلى أهله فمكث يومين أو ثلاثة ولم يذق ذواقا ولا شرب شرابا ولا يكلم ديارا، ثم تكلم بعد ثلاث فاشتغل بالعلم فلم تنظر عينه سطرا إلا وحفظه، فصب عليه العلوم الوهبية.

 .......

وقيل له: فتلقى السلطانَ فيُنوهُ باسمك، فأجاب بقوله: "السلطان من لم يَرَ السلطان".

 تلامذة ابن بونا والآخذون عنه

 وممن أخذ عنه من أعلام القبلة: حرمة بن عبد الجليل بن القاضي العلوي، أخذ الفقه والأصول والحديث والتفسير والعربية. وكان من أول تلامذته كما ذكره في الفتح.

وفيه يقول من قصيدته:

 فأنت أبو عُذْرِ العويص الذي نبَا ۞ شَبَا كل فهم دونه وتثلما

فمن سهل التسهيل بعد صعوبة  ۞ ومن لخص التلخيص درًّا منظما

وأغنَى عن الشيخ السنوسي منطقا ۞ وعلمَ كلامٍ من يريد تكلما. وممن أخذ عنه علامة الأقطار ونزهة الأعصار: عبد الله بن الحاج حمى الله بن أحمد بن الحاج المصطفى الغلاوي الأحمدي. أخذ عنه المنطق وأجازه في غيره وتوفي عبد الله بن أحمد سنة تسع ومائتين (1794م).

 وممن أخذ عنه أيضا عبد الله بن سيدي محمود بن الطالب المختار الحاجي علامة زمنه دفين القبة مع شيخه سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي وتوفي سنة خمس وخمسين من هذا القرن (1840م)، قرأ عليه النحو والبيان.

وفيه يقول لما قدم المختار بن بونا تگانت وافدا سنة خمس وعشرين في ذي القعدة (ديسمبر 1810):

ما كنتُ أحجو من مُنَى المذنبِ ۞ أن تطلُع الشمسً من المغرب

ولم أكن أحسِبُ بدرَ الدجا      ۞ يجري مع الزُّهرِ على سبسَبِ

حتى بدا ابن بونَ في موكبٍ    ۞ لم يبقَ في الآفاق من غيْهَبِ

فمرحبا أهلا وسهلا به           ۞ وقلتِ الآلافُ من مرحبِ.

 وممن أخذ عنه أيضا العلامة الأديب والجوهر الغريب: محمد غالي بن المختار بن فال بن أحمد تلمود البوصادي رحمه الله، وتوفي في سنة خمس وخمسين في ظني (1840م). وعلى يديه علم ما علم، وله شعر فيه لم يحضرني الآن.

وممن أخذ عنه أيضا المختار بن لحبيب الشهير وعنه أخذ الوسيلة. وممن أخذ عنه أيضا حامل لواء العلم في زمنه محمد اديَيْجَه بن عبد الله بن حبيب الله الكمليلي المشهور صاحب الإنكار على هذا الورد التجاني. وسمعت أنه رجع عن إنكاره والله أعلم. وأجازه المؤلف في جملة من الفنون، وأمره بشرح الوسيلة وقال له: قم لشرحها بعد أن أمر عبد الباقي. وإلى هذا أشار ادييْجَه بقوله:

وشيخنا المختار أعني البوني ۞ أجازني في جملة الفنون

وبعد ذا وسيلة السعاده         ۞ أمرني بشرحها زياه

والأمرَ ذا سأل عبدَ الباقي ۞ شرحا لها وهو من الحذاق

أن قال: يا فلانُ قم للشرح ۞ وحسبكم بأمره من شرحي.

 وأخذ عنه كثير من العلماء غير من ذكرنا.... .

.....

من نوادر ابن بونا وأخلاقه

 وله نوادر وقعت بحضرته الضمير يعود على النابغة الغلاوي المذكور آنفا منها أن رجلا قال ذات يوم لزوجه وقد سألته شيئا: "لك ما أحببتِ"، فأخذت ثلاث تطليقات، ثم بكت. فقام يطلب فتوى من علماء زمنه في هذا فكلهم أفتى بالتحريم، حتى أتى المختار بن بونا فقص عليه القَصَصَ، فقال له: لم تطلَّق واحدة أحرى ثلاثا، إنما أعطيتها ما رضيت، والثلاث لا ترضَى بها، وهي محبة لك والدليل على ذلك بكاؤها.

 ولما بلغ ذلك تلميذَه سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي قال: إن ابن بونا يأخذ من مآخذ لا يُؤخذ منها لجودة فهمه..

ومنه أن تجكانت عشيرته وقع بينهم وبين قبيلة من زوايا الگبلة نزاع في ديات فظهرت الحجة على تجكانت فجاؤوا مدرسة المختار فأخبروه. فقال: بما ظهروا عليكم؟ قالوا: بشهادة فلان، وهو عدل واسمه في نهاية القبح والفظاعة. فقال لهم: أيجيب من دعاه بهذا الاسم؟ فقالوا: نعم. فقال: إنه لا يشهد، ولا أعلم هذا نصا ولكن من هذا اسمه لا يشهد؛ لأنه رضي لنفسه الدناءة بإجابته من دعاه بهذا، وذلك أيُّ قادح. فرفعوا ما قال للمحكم، فبحث عن ذلك فوجد ما قاله المختار في المدونة.

ومنها أنه ركب إلى قوم قريب منه يريد ما يأخذه الشيخ من تلامذته، وقد كان كثيرا ما يأتيهم قبلُ، وقد كان فيهم رجل طبيب، فقال الطبيب لقومه: يا قومُ ما لكم في كل عام تعطون أموالكم في غير شيء؟ فبلغَه واشٍ ما قال الطبيب لقومه، فلما صلى الظهر قال المختار: أفلانٌ –يعني الطبيب- هنا؟ فقالوا: نعم. وكان مشهورا في الطب. فقال المختار: اشهدوا وليشهد من حضر أني أدين الله بأنه ضامن ما أتلف من نفس ومال لأنه طبيبٌ جهِلَ. ففرحَ وُشاةُ الطبيبِ فأخبِرَ فجاء وقد أحضر حوائج للشيخ، فقال له ما أخبِرتَ به كذبٌ. فضحك ابن بونَا. ولما صلى العصر كتب له إن له الدية في كل من أحيا لأنه يحيي الموتى بإذن الله، فضحك وضحك تلامذته كلهم..

وكان كثير الممازحة لمن رافقه. وله من الكرامات ما لا يحصى. وكان كثير الكشف قلما يهمه أمر إلا وكوشف له به ولقي كثيرا من الأولياء ممن ليس بأرضه كشفا. وكان كثير التواضع؛ أخبرني غير واحد كالوالد عن بعض تلامذته أنه سئل المُقامَ بأرض تگانت فقال: إنه لا يسكن إلا موضعا فيه دواوين هجاء الأقران له. وأنه مات يوم مات وهو أحدُّ ذهنا وأجود فهما من ابن ثلاثين ... ..

وحدثني الثقة أنه كان من الزهد بالمقام الأعلى والأدب وحسن الطبع الأجلى رحمه الله آمين.

.... وحدثني الثقة عن تلميذه سيدي محمد بن سيدي عبد الله وغيره أنه مات وهو شيخ كبير وكلما ازداد كِبَرًا ازداد ذهنه حدة وفهمه جودة.

 

كتب هذا التعريف: المفتي : محمدن بن سيدي محمد بن المختار بن الحسن بن ضياء الدين بن المختار بن بونا  وذلك في أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة .

وذلك يوم الثلاثاء 29 ربيع الأول 1436ه الموافق 20 يناير 2015 م

وقد كان من أهم مراجعي في ما كتبت: ما كان قد أعده ابن عمنا الفاضل الدكتور محمد محمود ولد محمد الأمين في رسالة تخرجه من جامعة انواكشوط 1993 حيث كان عنوان رسالته: ديوان المختار بن بن بونا.

الهوامش:
 

[1] - بونا أصله :"أب"، وأضيف إلى "نا" للمتكلم، أطلقته والدته عليه لأنه سمي أبيها: محمد سعيد بن تكدي (القرن 10)

 

[2] - وهي بلدة تقع إلى الجنوب من مدينة بتلميت على بعد 35 كلم.(وبتلميت هو مركز مقاطعة في ولاية اترارزة  في موريتانيا).

[3] - أو التبراتن: من منطقة تكانت، وتقع تباريت بالقرب من "المجرية".

[4] - راجع يحي البراء : الألفية وأثرها في الثقافة الموريتانية/ المدرسة العليا للأساتذة والمفتشين 1981-،1982  ، صفحة: 59

[5] - بلاد شنقيط المنارة وارباط/ الخليل النحوي ، تونس 1987 ، صفحة: 530

[6] - انظر : المختار بن بونا، مبلغ المأمول إلى قواعد الأصول، تحقيق: محمد محمود بن محمد الأمين ومحمد بن محمد الأمين، المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، 1986-1987 ....

[7] - هذا القول ممثل ببيت قديم وجدته لدى أحمد بن لمرابط أستاذ بالقسم الجامعي في معهد العلوم الإسلامية والعربية في انواكشوط، والبيت هو:

توفي ابن بونا عام شكر      وعمره بيق بدون نكر

وبيق بحساب الجمل: 112 .

[8] - منها أنه ولد 1060 هـ كما عند محمد سالم بن عبد الودود رحمه الله

منها أنه ولد: 1040 كما يفهم من المختار بن حامد، م.س. ج تجكانت، ص:83 وعاش 180 سنة.

[9] - هو ابن خلدون موريتانيا شاعر علامة ومؤرخ كبير من مواليد 1315 عاش في آخر حياته في المدينة المنورة وتوفي بها سنة: .....،

[10] - المختار بن حامد ج. تجكانت ص: 71

[11] - هذا البيت موجود في وثيقة بخط الحاج بن فحف المسومي بحوزة حفيد الشاعر إسلم بن محمد محمود

[12] - راجع المختار بن بونا : مبلغ المأمول...محمود بن محمدالأمين...ص: 5.

[13] - نفس المرجع (9) ص: 5

[14] - علم ناظم مؤلف مؤرخ : ت: 1332 عن مائة سنة ، راجع المختار بن حامد ، حياة موريتانيا، ج: تاشمش ، أولاد ديمان، ص: 50

[15] - هو الطالب أبو بكر المحجوبي الولاتي والكتاب مخطوط وتوجد منه نسخة ناقصة في المعهد العالي للبحث العلمي

[16] - هو الطالب محمد بن أبي بكر بن بنان البرتلي الولاتي صاحب فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور ، ت: 1219ه

[17] -انظر قصيدة محمد محمود بن التلاميد التي يعد فيها شيوخ النحو الذين لم ينتبهوا لصرف: "عمر" والتي يقول فيها:

ولم يشعر المختار منشي احمراره    لنفع عباد الله من نحوه العلم

ولا شيخه انجبنان من كان عنده      له فتح الرحمن في النحو في الحلم

[18] - هو محمد بن عيدَّ الجكني وقد توفي في أوائل القرن12 هـ  والأبيات في : أحمد الأمين ج:3 ، ص: 597

[19] - النون: الحوت

[20] - البحر هنا : نهر السنغال

[21] - مادس: جبل في الصحراء الغربية

[22] - عمرو بن عثمان شيخ النحاة ، المتوفى: 180 هـ

[23] - يوسف ابن أبي بكر السكاكي: بلاغي مشهور، توفي: 625 هـ

[24] -علي ابن عمر بن علي حكيم ومنطقي ... توفي: 675 هت

[25] - أبو الحسن علي ابن اسماعيال...صاحب المذهب الأشعري ..توفي: 324هـ

[26] - أشهب بن عبد العزيز تلميذ مالك بن أنس أحد أئمة المذهب ... توفي: 204هـ

[27] - مثل اعل بن جد بن الطالب إلياس 1220هـ وتوجد نسخة من النظم في مكتبة اعل الطالب ببكر بولاته... تحت رقم: 26 لغة

نقلا عن مدوتة المختار ولد بونه - رحمه الله