"أم الأولاد" .. ملحمة من زمن السيبة

خميس, 07/06/2017 - 13:15
غلاف الكتاب

صدرت عن المطبعة العصرية بانواكشوط رواية الكاتب الصحفي والأديب والمثقف الألمعي الولي سيدي هيبه "أم الأولاد" .. ملحمة من زمن السيبة التي تشكل إلى جانب "نبع الظباء" و "شظايا المرايا" ثالثة أثافي ثلاثية روائية تصدر للكاتب تتناول بأسلوب أخاذ مجريات وقائع البلاد السائبة فى فترات الاستعمار وما قبله وما بعده.

تقع الرواية فى 206 صفحات من الحجم المتوسط وقدم لها الدكتور أحمد ولد حبيب الله أستاذ الأدب الموريتاني وتقنيات البحث الجامعي بجامعة انواكشوط العصرية تقديما جيدا تسامي لملامسة تلاشي الماضي فى حاضر يكابد استشراف ملامح مستقبل صعب الاستشراف لمنكب برزخي قدره أن يسبح خارج سياقات الزمن الطبيعي وخارج أروقة المكان الجغرافي في مفاهيمه الاصطلاحية الحدية.

وكما يقول تولستوي: "إذا وجد المضمون انصاع الشكل"، والولي ولد سيدي هيبة يغرف من بحر مضامين لا تكدر صفوه الدلاء لذلك فمنذ الوهلة الأولى ومنذ المقطع الأول من الرواية يدخلك الكاتب بسلاسة ويسر فى عالم "أم الأولاد" فتشهد صيحة الفرج وتغمرك بشارة مولود جديد "طلعته كبهاء الشمس"، وتشنف مسامعك زغردة "السالكة" وأصوات الماشية متماهية مع أصداء المرتفع الذي تستيقظ قرية "أم العيال" فى حضنه .. يغوص بك الكاتب بأسلوب سهل ممتنع وبلغة مفعمة بالمعاني الحافة وبالدلالات السيميائية المعبرة فى أعماق واقع من زمن ولى تكاد تستشعر حلوله فى أغوار نفسك ليغمرك بكلكله فى رحلة بحثك الوجودي عن ذاتك التي بدأت تضيع .. وتدرك بسرعة أنك لا تقرأ رواية تاريخية بل رواية واقعية تعكس واقعا بأبعاد مختلفة وهندسات متغيرة .. لكنه واقع على أية حال تكبلنا تجلياته وتحدونا خلجاته لكي نكون شيئا مما كنا ونصبح كما يفترض أن نكون.

طبعا نحن كالمولود الجديد نرضع جرعة حليب مضمخ بدماء الأمومة فى ضيافة الحياة ، مما يكسبنا مناعة قد تكون ما تبقى لنا من مقومات البقاء فى الزمن الموار الرديء.

من يقرأ "أم العيال" يدرك لا محالة من كان وما كان ويتدبر ما هو كائن ويستشرف بعناء سيزيفي من سيكون.

رواية "أم العيال" تجعلك توقع عقد قراءة مبرر على بياض مع كاتب مبدع امتلك ناصية التعاطي مع الواقع بأسلوب سلس يحدوه فكر مستنير وطموح جامح لتغيير الواقع بالعقل وبالعاطفة ، والرواية تفتح شهيتك لا محالة لتلقف "بوح النخيل ورحيق الجذور" و "شظايا المرايا" و "نبع الظباء" وغيرها من إبداعات كاتب أثرى المكتبة الموريتانية فى وقت مفصلي كانت فيه فى أمس الحاجة لمن يمتلك شجاعة تدوين أفكاره ومقاسمتها مع الآخرين..

فى زمن فضل بعض فاعليه الثقافيين تقاسم الذي هو أدني وأشياء أخرى..

وبالنسبة لكاتبنا الولي سيدي هيبة لا يستغرب الابداع والتميز فهو سليل دوحة علم ووسطية وقد أمتعنا دائما بكتابات مفيدة تنفع الناس وتمكث فى العقول.

وكما يقول غابريل اغرسيا مركيز "لا يولد البشر مرة واحدة وحسب ، فالحياة ترغمهم أن ينجبوا أنفسهم" ، وقد كانت البداية لحظة إنجاب كان لها ما قبلها وبكل تأكيد لها ما بعدها وتلك سنة الحياة وأيقونة البقاء.

أحمد مصطفى