مُحَمّد سَعيد الصّحاف: غوبلز أمْ الحَجاج؟…

أربعاء, 02/28/2018 - 12:57
الوزير العراقي محمد سعيد الصحاف

يُقدم فريد الفالوجي في كتابه (الصحاف والعلوج),(دار الكتاب العربي) دراسة تحليلية تتناول شخصية الوزير العراقي محمد سعيد الصحاف, وإنْ غلب على الكتاب طابع الهجوم على الصحاف كأنّ للكاتب ثأراً شخصياً لدى الصحاف… كما يذكر الكاتب:(( كان الصحاف بطل الأخبار الملفقة, والمعارك الوهمية))(ص 8), فهل كان الصحاف يسير وفق مخطط مدروس ومنهج أُعدّ له خصيصاً كأحد رجال السلطة في نظام الطاغية صدّام, كما يتساءل المؤلف(ص11). فالصحاف وإنْ اختلفنا معه فهو وزير إعلام دولة تتعرض لهجوم من دولة أخرى بشكل غير قانوني.
دَرسَ محمد سعيد الصحاف في المعهد العالي للغات (1961 – 1962) المولود في الحِلّة، محافظة بابل، ومن ثم عُين مدرساً للغة الإنكليزية في إعدادية الحبانية.
في مدينة الحبانيّة عُرِف عن الصحاف أنّه كثير التذمر من وجوده في هذه المدينة ومع عام 1967 جاء صعود الصحاف حزبياً. انتقل إلى حي الوزيرية في بغداد, وبدأ يتعرف على بعض قادة الحزب، أحمد حسن البكر، صدّام حسين، عبد الكريم الشيخلي، صلاح عمر العلي، شفيق الكمالي، عزة الدوري. يُذكر أن الصحاف سجن مع صدام وبعد خرجهما من المعتقل بثلاثة أيام عينه صدّام حسين مشرفاً سياسياً في إذاعة بغداد. ومع وصول البعثيين إلى السلطة للمرة الثانية عبر انقلاب 17 تموز/يوليو 1968 برئاسة أحمد حسن البكر وابن عمه صدام حسين التكريتي, تمت ترقية الصحاف إلى منصب مدير عام الإذاعة والتلفزيون. وفي نهاية عام 1979 أمر صدّام حسين بإعادة الصحاف إلى وزارة الخارجية، وتعينهُ سفيراً في ديوانها، وبعد ذلك سافر الصحاف إلى باريس حيث حصل على زمالة دراسية ومن ثم أُعيد بوساطة من طارق عزيز إلى بغداد ليعين سفيراً في إسبانيا، وبعد ثلاث سنوات انتقل إلى روما  كسفير وقام بشراء مقر للسفارة العراقية, بمكان مميز هو بيت كان يقطنه موسوليني حسب مصادر الخارجية العراقية, وفي العام 1993 عادَ مرّة أخرى إلى الخارجية، وفي عام 2000 وصل الصحاف إلى وزارة الإعلام خلفاً لـ محمد مظفر الآدهمي.
الدعاية المجانيّة
محمد سعيد الصحاف آخر وزير إعلام في حكومة صدّام حسين, الوزير الذي شغل الرأي العام العالمي بخطبه النارية, ومفرداته المضحكة وهي من النوع الازدرائي الساخر:(بوش الصغير.. الأوغاد.. الطراطير.. البيت الأسود.. العلوج.. المرتزقة.. عصابة الأوغاد الدوليين). ولكنها عفوية وتلقائية كانت تتم عبر المؤتمرات الصحافية اليومية التي يعقدها الصحاف, وكان صدّام حسين قبله في حرب الخليج الثانية(1990) قد استخدم نفس الأسلوب تجاه خصومه حيث خاطب الرئيس الأميركي آنذاك بـــــ ((واوي صبخ)), ومعناه الثعلب الذي يعيش في الأراضي المالحة وذلك للحط من قيمة بوش الأب.. فخلال 21 يوماً نال الصحاف شهرة ربما تفوق بها حتى على باول يوزف جوبلز (وزير الدعاية النازي) ورفيق أدولف هتلر حتى الدقائق الأخيرة من حياتهِ، حيث كان إحدى الأساطير في مجال الحرب النفسية، وهو أحد أبرز من وظفوا واستثمروا وسائل الإعلام في هذه الحرب وهو صاحب شعار شهير يقول: ((اكذب حتى يصدقك الناس)). وربما تفوق الصحاف على أحمد سعيد نجم صوت العرب في الخمسينيات من القرن الماضي. وشُبه الصحاف بشخصية الحجاج بن يوسف الثقفي(41- 95 هـــ), والى العراق أيام عبد الملك بن مروان حيث هناك تشابه بينهما في النقد والتجريح.
القبضاي
يقول الصحاف:((كنت موظفاً أؤدي دوري بأمانة))(ص 8). كان الصحاف يتمتع برجولة إضافة إلى براعته الإعلامية وإجادته الانكليزية وخبرته في مجال الدبلوماسية كوزير وسفير في أكثر من عاصمة عالمية في بلاد الفيلة والتوابل نيودلهي, وفي روما واستوكهولم وفي الأمم المتحدة, ومن مواقفه وصفه للقوات المهاجمة لبغداد وربما هو يعلم النتيجة الحتمية للمعركة: الأوغاد ينتحرون بالمئات على بوابات بغداد. ومن خلفه كانت سحب الدخان تتصاعد في سماء بغداد, وكل المؤشرات تتجه إلى أن المدينة قريبة من السقوط. ولكنه ظلّ يناور إلى آخر لحظة. وحتى الرئيس الأميركي, جورج بوش(الابن) كان لايأوي إلى فراشه إلاّ بعد أن يستمع إلى تصريحات الصحاف ثم يضحك ويشعر بالغبطة والسرور. ومن النوادر التي يوردها المؤلف إعجاب الرئيس البكر بالمطربة اللبنانية سميرة توفيق, حيث كان التلفزيون العراقي يستضيف الفنانة سميرة توفيق, وقد سألها المذيع لماذا تكثرين من ذكر أسماء الأشخاص في أغانيك.؟ (كانت قد سرت إشاعة تقول إن وزير الداخلية- سعدون غيدان- هو المقصود بأغنية ((أم سعدون))..).(ص 60).
ويضيف المذيع, لماذا سعدون بالذات.. ألا ينفع ((إبراهيم)) مثلاً..؟
((كان المذيع اسمه((إبراهيم)). عند ذلك اتصل رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر بالصحاف وشتمه قائلاً:((لم يبقى على مذيعك سوى أن((……….)) في أستوديو التليفزيون.. ومن أشهر تصريحات الصحاف أثناء الغزو الأميركي للعراق 2003: أسلحة ذكية ولكن القيادة غبية… سنشوي بطونهم شيَّاً.. وسنسحقهم كالصراصير.. العراقيون النشامى لم يستقبلوا الأميركيين بالورود.. لكن قابلوهم بالرصاص و(القنادر= الأحذية)… بوش الأبله وتابعه الأعمى… تم حبس القوات المهاجمة داخل دباباتهم.. وهم الآن لا يستطيعون مغادرتها وسيجري التعامل معها بطريقة مناسبة جداً…
الخاسر
 لم يستسلم الصحاف أمام الغزو الأميركي وهو العارف بقدرات بلاده على مواجهة القوة الأميركية… بعد سقوط تمثال صدّام حسين في ساحة الفردوس, كان الصحاف مازال يناور ويندد ويتوعد إلى أن جاءه أحد مرافقيه وهمس بأذنه ويبدو أنه قال له أنظر خلفك هاهي طلائع القوات الأميركية, بعد ذلك غادر بسيارة بيك أب رباعية الدفع دخل بعدها إلى الإذاعة وخلع قلنسوته العسكرية المشهورة.. وغادر من الباب الخلفي لمبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ليبدأ رحلة جديدة مع الحياة…
بقلم: عبد الرحمن مظهر الهلوش