مساجلة رائعة بين أبي بكر الصديق ودغفل بن حنظلة "البلاء موكل بالمنطق"

خميس, 06/11/2015 - 11:06

عن علي بن أبي طالب قال لما أمر الله رسوله أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب فتقدم أبو بكر رضي الله عنه فسلم وكان أبو بكر مقدما في كل خير وكان رجلا نسابة فقال ممن القوم قالوا من ربيعة قال وأي ربيعة أنتم أمن هامها أم من لهازمها قالوا بل من هامها العظمى قال أبو بكر فمن أي هامتها العظمى فقال ذهل الأكبر قال لهم أبو بكر منكم عوف الذي كان يقال لا حر بوادي عوف قالوا لا قال فمنكم بسطام بن قيس أبو اللواء ومنتهى الأحياء قالوا لا قال فمنكم الحوفزان بن شريك قاتل الملوك وسالبها أنفسها قالوا لا قال فمنكم جساس بن مرة بن ذهل حامي الذمار ومانع الجار قالوا لا قال فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة قالوا لا قال فأنتم أخوال الملوك من كندة قالوا لا قال فأنتم أصهار الملوك من لخم قالوا لا قال لهم أبو بكر رضي الله عنه فلستم بذهل الأكبر بل أنتم ذهل الأصغر قال فوثب إليه منهم غلام يدعى دغفل بن حنظلة الذهلي حين بقل وجهه فأخذ بزمام ناقة أبي بكر وهو يقول إن علي سائلنا أن نسأله والعبء لا نعرفه أو نحمله يا هذا إنك سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئا ونحن نريد أن نسألك فمن أنت قال رجل من قريش فقال الغلام بخ بخ أهل السؤدد والرئاسة قادمة العرب وهاديها فمن أنت من قريش فقال له رجل من بني تيم بن مرة فقال له الغلام أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة أفمنكم قصي بن كلاب الذي قتل بمكة المتغلبين عليها وأجلى بقيتهم وجمع قومه من كل أوب حتى أوطنهم مكة ثم استولى على الدار وأنزل قريشا منازلها فسمته العرب بذلك مجمعا وفيه يقول الشاعر:

 أليس أبوكم كان يدعى مجمعا          به جمع الله القبائل من فهر

فقال أبو بكر لا قال فمنكم عبد مناف الذي انتهت إليه الوصايا وأبو الغطاريف السادة فقال أبو بكر لا قال فمنكم عمرو بن عبد مناف هاشم الذي هشم الثريد لقومه ولأهل مكة ففيه يقول الشاعر:

 عمرو العلا هشم الثريد لقومه      ورجال مكة مسنتون عجاف

سنوا إليه الرحلتين كليهم         عند الشتاء ورحلة الأصياف

كانت قريش بيضة فتفلقت         فالمح خالصة لعبد مناف

الرايشين وليس يعرف رايش      والقائلين هلم للأضياف

 والضاربين الكبش يبرق بيضه     والمانعين البيض بالأسياف

لله درك لو نزلت بدارهم      منعوك من أزل ومن إقراف

 فقال أبو بكر لا قال فمنكم عبد المطلب شيبة الحمد وصاحب عير مكة ومطعم طير السماء والوحوش والسباع في الفلا الذي كأن وجهه قمرا يتلألأ في الليلة الظلماء قال لا قال أفمن أهل الإفاضة أنت قال لا قال أفمن أهل الحجابة أنت قال لا قال أفمن أهل الندوة أنت قال لا قال أفمن أهل السقاية أنت قال لا قال أفمن أهل الرفادة أنت قال لا قال فمن المفيضين أنت قال لا ثم جذب أبو بكر رضي الله عنه زمام ناقته من يده فقال له الغلام:

 صادف در السيل در يدفعه       يهيضه حينا وحينا يرفعه

ثم قال أما والله يا أخا قريش لو ثبت لخبرتك أنك من زمعات قريش ولست من الذوائب قال فأقبل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم قال علي فقلت له يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة فقال أجل يا أبا الحسن إنه ليس من طامة إلا وفوقها طامة والبلاء موكل بالقول قال ثم انتهينا إلى مجلس عليه السكينة والوقار وإذا مشايخ لهم أقدار وهيئات فتقدم أبو بكر فسلم قال علي وكان أبو بكر مقدما في كل خير فقال لهم أبو بكر ممن القوم قالوا من بني شيبان بن ثعلبة فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي أنت وأمي ليس بعد هؤلاء من عز في قومهم وفي رواية ليس وراء هؤلاء عذر من قومهم وهؤلاء غرر في قومهم وهؤلاء غرر الناس وكان في القوم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة والمثنى بن حارثة والنعمان بن شريك وكان أقرب القوم إلى أبي بكر مفروق بن عمرو وكان مفروق بن عمرو قد غلب عليهم بيانا ولسانا وكانت له غديرتان تسقطان على صدره فكان أدنى القوم مجلسا من أبي بكر فقال له أبو بكر كيف العدد فيكم فقال له إنا لنزيد على ألف ولن تغلب ألف من قلة فقال له فكيف المنعة فيكم فقال علينا الجهد ولكل قوم جد فقال أبو بكر فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم فقال مفروق إنا أشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا لعلك أخو قريش فقال أبو بكر إن كان بلغكم أنه رسول الله فها هو هذا فقال مفروق قد بلغنا أنه يذكر ذلك ثم التفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر يظله بثوبه فقال أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وأن تؤووني وتنصروني حتى أؤدي عن الله الذي أمرني به فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد قال له وإلى ما تدعو أيضا يا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا } إلى قوله { ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } فقال له مفروق وإلى ما تدعو أيضا يا أخا قريش فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض ولو كان من كلامهم لعرفناه فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } فقال له مفروق دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا فقال له هانئ قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وصدقت قولك وإني أرى إن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر لم نتفكر في أمرك وننظر في عاقبة ما تدعو إليه زلة في الرأي وطيشة في العقل وقلة نظر في العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة وإن من ورائنا قوما نكره أن نعقد عليهم عقدا ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة فقال وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى قد سمعت مقالتك واستحسنت قولك يا أخا قريش وأعجبني ما تكلمت به والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة وتركنا ديننا واتباعنا إياك لمجلس جلسته إلينا وإنا إنما نزلنا بين صريين أحدهما اليمامة والآخر السماوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هذان الصريان فقال له أما أحدهما فطفوف البر وأرض العرب وأما الآخر فأرض فارس وأنهار كسرى وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا ولا نؤوى محدثا ولعل هذا الأمر الذي تدعونا إليه مما تكرهه الملوك فأما ما كان مما يلي بلاد العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول وأما ما كان يلي بلاد فارس فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول فان أردت أن ننصرك ونمنعك مما يلي العرب فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه ثم قال رسول الله أرأيتم إن لم تلبثوا إلا يسيرا حتى يمنحكم الله بلادهم وأموالهم ويفرشكم بناتهم أتسبحون الله وتقدسونه فقال له النعمان بن شريك اللهم وإن ذلك لك يا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا } ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضا على يدي أبي بكر قال علي ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا علي أية أخلاق للعرب كانت في الجاهلية ما أشرفها بها يتحاجزون في الحياة الدنيا قال ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج فما نهضنا حتى بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم قال علي وكانوا صدقاء صبراء فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم من معرفة أبي بكر رضي الله عنه بأنسابهم قال فلم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيرا حتى خرج إلى أصحابه فقال لهم احمدوا الله كثيرا فقد ظفرت اليوم أبناء ربيعة بأهل فارس قتلوا ملوكهم واستباحوا عسكرهم وبي نصروا قال وكانت الوقعة بقراقر إلى جنب ذي قار.

الراوي: علي بن أبي طالب

المحدث: ابن كثير

المصدر: البداية والنهاية – الصفحة أو الرقم: 3/139

خلاصة حكم المحدث: غريب جدا وقد ورد من طريق أخرى