سامح فوزي يكتب ..المواطن النقدى

أربعاء, 11/17/2021 - 12:38

لم أستغرب من استعادة أشياء قديمة من مرقدها لاثارة العواطف، وتجييش المشاعر الدينية مثل الحديث القديم السيئ الصادر عن القمص السابق بالكنيسة القبطية زكريا بطرس. وأسهل شىء فى مجتمعنا ان تحقق مآرب سياسية من خلال رفع لواء نصرة الدين، فتجمع خلفك القاصى والدانى، المتدين وغير المتدين، الملتزم والمنفلت، الكل فى نصرة الدين احباب. المتدين يظهر تدينه، والفاسد يرتدى مسوح فرسان المعابد، حماة الدين، والمدافعين عن العقيدة.
لكن هذه المرة وجدت أمرا مختلفا، أسعدنى، وأكد لى ان سنوات المخاض الصعب الماضية لم تضع سدى. فقد رأيت قطاعات عريضة، خاصة رواد الفضاء الالكترونى، يتحلون بالهدوء والصبر والتفكير النقدى، لم يطلقوا العنان لغريزة الغضب الدينى التى تضغط بقوة على العقل فى هذه المناسبات، بل أطلقوا أسئلة نقدية تلقائية: لمصلحة من يستعيد البعض حديثا قديما سيئا؟ وما الجديد فى الامر، فهذا الرجل معروف عنه الإساءة للاسلام؟ ولماذا نجعل من حديث فرد تبرأت منه كنيسته اساسا لعلاقات بين مواطنين فى المجتمع؟ وبعض المعلقين ذهب إلى ابعد من ذلك، وطرح سؤالا لم نكن نسمعه فى هذه المناسبات: لماذا لا نقف أيضا ضد الخطابات التى تسىء إلى المسيحية، وأصحابها معروفون، ولهم كيانات ومؤسسات ينتمون اليها؟. هذه تعليقات من جانب مسلمين وليس مسيحيين، وهو امر ملفت ومبهج فى آن واحد.
لم يكن سهلا ان نجد هذا الأسلوب من التفكير فى مجتمعنا منذ بضع سنوات الذى اعتاد على الاشتعال نتيجة رواية او فيلم او مقال او مقطع على يوتيوب او حديث فضائى او تغريدة الكترونية توصف بأنها تنال من العقيدة، وحين يعلو صوت الغضب تحدث مآس عديدة تصل إلى الاعتداء على الارواح وتكسير الممتلكات، الخ. وعادة ما يكون هناك سماسرة للطائفية، هؤلاء يتولون تسويق الاثارة، وتوزيع الغضب، واشعال الحرائق. وقد لا يكونوا بالمناسبة من المشاهير بل من العامة المتأثرين بخطابات التحريض التى تصلهم باستمرار.
ليس الضمان لمجتمع صحى متسامح يقوم على الاحترام المتبادل فى اختفاء المحرضين ودعاة السجال الدينى والشتامين للاديان، هؤلاء لن يختفوا، لأن مكسبهم المادى والمعنوى فيما يفعلون، ولكن الضمان الحقيقى فى ان يتحلى الناس بالوعى او ما نسميه العقل النقدى الذى يفرق بين الغث والثمين، ويتبين الرشد من الغى. ويظل السؤال كيف يتشكل العقل النقدى؟ الاجابة من التعليم، والثقافة، والاعلام، والمشاركة السياسية، والنقاش العام فى المجتمع. فإذا أرادت الدولة وإلى جوارها المجتمع اتقاء شر خطابات التحريض والشائعات واللعب بعقول الناس عليها ان تستثمر فى جهود بناء الوعى الحقيقى، والتفكير النقدى، وبناء العلاقات الايجابية بين المواطنين.ر