العرب و إيران: صراع أم تنافس أم تكامل؟

اثنين, 06/15/2015 - 12:04
المختار ولد داهي / سفير سابق

 

إن الطريق إلي استكناه العلاقات المعقدة بين العرب و إيران طويل و شاق و يتطلب "زادا ثقيلا" من التمكن من خفايا التاريخ و فهم  خبايا الحاضر و استشراف زوايا المستقبل مما يضيق به الحيز المتوسط لهذا النوع من المعالجات السريعة، لذلك سأكتفي بوضع "إشارات مرور" panneaux de) route ;roadsigns_" علي طريق تأسيس نموذج  سياسي ملائم لفهم و ضبط العلاقات شديدة التوتر بين العرب و إيران .

و تسخينا للذاكرة، فإن العلاقات السياسية بين التكتلات و المجاميع و الدول الكبري تأتي غالبا  في شكل ثلاثة نماذج:  أولها "نموذج الصراع"( الساخن أو البارد) كما هو حادث بين روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية و بين الهند و باكستان  و ثانيها "نموذج التنافس"  كما هو واقع بين الولايات المتحدة و أوروبا و ثالثها نموذج التكامل و المثال الساطع علي ذلك ما هو معيش بين الدول الرئيسة داخل كتلة الاتحاد الأوروبي ألمانيا و فرنسا مثلا.

و لتوضيح الفروق بين النماذج الثلاثة فإن "نموذج الصراع" قائم علي الاستعلاء و إرادة الهيمنة و إلغاء الآخر أو الإضرار به و لو بالطرق الكيدية و الغير سلمية  بينما يقوم "نموذج التنافس" علي فضيلة الغّبّط( و هو تمني  الحصول علي مثل ما  حصل عليه الآخر  مع حسن النية اتجاهه)  و التسابق إلي الأفضلية و إرادة التميز و القيادة من خلال الوسائل الشريفة و النظيفة من غير إلغاء للآخر و لا إضرار به فيما يؤسس "نموذج التكامل" علي خصلة التضحية و الإيثار و العمل المشترك من أجل تحقيق المصالح المشتركة.

و العلاقة بين العرب و إيران في أيامنا هذه علاقة  شديدة الالتهاب و القابلية للتحول من حالة " شبه حروب بالوكالة" كما هو واقع الآن بسوريا و العراق و اليمن إلي "حروب بالوكالة" أو إلي حروب مباشرة لا قدر الله و هي مثال ساطع "لنموذج الصراع" الآنف بيانه.

و يعود طغيان  نموذج الصراع بين العرب و إيران إلي جملة عوامل منها:

 أولا: رواسب المرارة لدي غلاة القوميين الفارسين من الفتح الإسلامي العربي: حيث أنه  من المعروف أن  العلاقة بين العرب و الفرس قبل الإسلام  شهدت حالة من الكر و الفر، من الحرب و الحرب المضادة و  كانت أيامها دول .

و جاءت الفتوحاتالإسلامية علي يد دعاة مجاهدين عرب لتحسم الحرب لصالح المسلمين العرب و لتخلف في أذهان بعض غلاة القوميين الفارسيين مرارة دفينة بالشعور بالهزيمة و العزيمة علي الانتقام لا زالت حتي الآن تؤثر عليالإنتاج الفكري و المواقف العملية للكثير منهمو لو حسن إسلامهم.

 

ثانيا:الانتقامية الطائفية لدي الأصوليين الشيعة من حكم الدول الأموية  و العباسية و العثمانية: تعتبر إيران الدولة الحاضنة للمذهب  و التراث الشيعي و يوجد بها تيار شيعي أصولي متطرف يسعي إلي ترويج فكر الانتقام من اضطهاد الشيعة خلال حكم الدول  السنية التي تعاقبت قرونا علي حكم العالم الإسلامي و منهم من يتبني النزعة الاستئصالية ضد المذهب السني.

 

ثالثا:إرادة الهيمنة و تصدير الثورة لدي الجمهورية الإسلامية الإيرانية: بلغ التوتر العربي الإيراني ذروته مع بداية تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية1979 التي بعثت منذ أيامها الاول برسائل سلبية إلي العالم العربي أكثرها إيلاما التخوين حول القضية العربية المركزية- القضية الفلسطينية و منها  التدخل السافر في الشؤون الداخلية تحت غطاء حماية الاقليات الشيعية او دعم القوي التقدمية و يعتبر "تصدير الثورة" العقدة المركزية في التعايش العربي الإيراني؛

 

و يجدر بل يجب التنبيه في هذا المقام و المقال إلي أن الإنتاج الفكريللعديد من العلماء و الأدباء و المفكرين و السياسيين الإيرانيين من خارج فئني المتطرفين القوميين الفرس وغلاة المذهب الشيعي خالية من المرارة القومية الفارسية و الانتقامية الطائفية الشيعية.

و تشهد لهؤلاء ألسنتهم و كتاباتهم و إسهاماهم العلمية الرائعة في العلوم الإسلامية و اللغة العربية و مواقفهم من القضايا العربية المركزية و هم يمثلون فئة الأمل في إرساء نموذج إيجابي للتعايش العربي الإيرانيو يلح علي ذهني تسميتهم " الإيرانيين العرب".

 

 رابعا:الشطط  لدي "القوي القومية العربية  العاطفية"  في  الترويج لاستعادة أمجاد التفوق العربي الإسلامي: ساهم و يساهم  الغلو في الخطاب القومي العربي العاطفي -تمييزا له عن الخطاب القومي العربي العقلاني السمح و المنفتح- الداعي إلي استعادة أمجاد العرب باعتبارهم أمناء علي المشروع الإسلامي و هم وحدهم دون سواهم  من تحق لهم قيادة العالم الإسلامي في تنشيط و توسيع دائرة التعاطف و الانتساب لردات فعل شديدة التطرف من القوميين الفرس و كلا الطائفتين من غلاة القوميين العرب و الفرس تضعان في الواجهة خطابا تفوح منه رائحة الاستعلاء و الأفضلية علي أساس "الدم" و النسب.

 

خامسا:التكفير  بالجملة للشيعة من طرف غلاة السلفية الجهادية: ساهمت ظاهرة "القاعدة و أخواتها" في حضور إعلامي قاهر لخطاب الغلو السلفي المكفر بالجملة للشيعة و الداعي إلي استئصال الشيعة من الخارطة الإسلامية؛

 

 سادسا: وهم الدور العربي في إسناد العداء الأمريكي و الغربي لإيران: أدي الخوف الأمريكي علي إسرائيل من الوعيد الإيراني و التخوف العربي من تهديد تصدير الثورة الإيرانية إلي تصور إيران لوجود "تحالف ظرفي  غير معلن " بين الغرب و العرب ضد السياسة الخارجية الإيرانية. و تعبر إيران عن عتب شديد علي الدول العربية مكررة بأن عدم التفاهم الداخلي بين الدول الإسلامية لا يبرر التحالف مع  "الشيطان الأكبر" و "العدو الاكبر" للإسلام و المسلمين.

و يلزم التنويه إلي أن العديد من العلماء و المفكرين و السياسيين العرب و السنة  يعترفون بالجميل للحضارة الفارسية في إثراء و توسيع قاعدة الخارطة الإسلامية و لا يقيمون وزنا لزبد المتطرفين القوميين و الطائفيين الإيرانيين.

 كما يتبرأون من أفعال القاعدة و أخواتها و أٌدبيات و بروباغاندا القومية العربية العاطفية ويحملون انطباعات حسنة و آمالا عراضا حول إمكانية التعايش السلمي بين العرب و إيران  و لا يقبلون  التعرض لعداءات المتطرفين الفارسيين و الطائفيين إلا من باب ردة الفعل المحسوبة و المتوازنة الواقعة تحت سقف " اضعف الإيمان" و يجدر نهت هؤلاء " بالعرب الإيرانيين".

و سبيلا إلي تفادي صدام ذي لبوس  قومي - طائفي بين العرب و إيران أخشي أن يكون اقترب تكامل أشراطه،  يتعين أن تبادر النخب الفكرية بالعالم العربي و إيران من مختلف المنازع القومية العقلانية و الإسلامية الوسطية و العلمانية المنفتحة و اليسارية التقدمية و الليبرالية الناعمة وكذا أصدقاء السلام في العالم إلي دعم فئتي " الإيرانيين العرب" و العرب الإيرانيين" المنوه عنهما سابقا سبيلا إلي صياغة مشروع سياسي يكفل "التعايش الإيجابي" بين العرب و إيران.

 و يستمد الدعم المطلوب من النخب الفكرية وجاهته من استعجالية تحييد و نزع ألغام نموذج الصراع الذي تدق طبوله الآن "أجندات غربية" معادية للإسلام و العرب مسنودة "بمغامرات إيرانية" استدعت "ردات فعل عربية" و سعودية بالأساس من خلال " عاصفة الحزم"  و التي هي  في تقديري  مندرجة تحت سقف "أضعف الإيمان".و تنبغي الاستعاضة عن نموذج الصراع هذا بنموذج التنافس الإيجابي علي ريادة العالم الإسلامي علي غرار ما هو حاصل بين العرب و تركيا مثلا.

 و لعل مما يساعد في تأسيس النموذج التنافسي بين العرب و إيران تشجيع العرب أنفسهم علي إرساء نموذج تكاملي داخلي  علي غرار أوروبا أو الولايات المتحدة أو الهند أو ألمانيا الاتحادية حتي يكون في مكنتهم المساهمة الفعالة و المنظمة في نموذج تنافسي أو نموذج تكاملي مع إيران و تركيا و غيرهما من أقطاب الشأن الإسلامي تنافسا أو تكاملا يحفظ للعرب مكانتهم في العالم الإسلامي و يقوي اللحمة الإسلامية و يعزز السلم العالمي.

      المختار ولد داهي

خبير تقييم السياسات العمومية