عدت مؤخرا من مؤتمر سياسي شاركت فيه احزاب تمتد من الهند حتى المكسيك مرورا بالعالم العربي.
انتابني و انا اتباع تدخلات المشتركين العقلانية و المليئة بقيم المساواة والتسامح حزن عميق و جال في خاطري نمط الخطاب السائد لدينا من تطرف و استحقار بالآخر.
لقد فقد شهر نوفمبر؛ الذي كان يمثل بالنسبة لنا طيلة ثلاثين عاما، لحظات من الفرح والإنتشاء، لحظات من الإحتفاء بالوحدة الوطنية والمصير المشترك القائم على الإسلام،
لحظات نتذكر فيها الآباء المؤسسين والبناة، لحظات من الأمل في حياة أفضل ..
فقد ـ إذن ـ كل جماله وكل فخره منذ 28 نوفمبر 1990 حيث حل الحزن واليأس محل الأمل.
العالم تجاوز قضايا المقاومات والحروب العالمية .. العالم يتطور بوتائر مذهلة ويبحر بسرعة في أشرعة زمن العولمة الموار .. ونحن نبني أكشاكا مهترئة من الكذب والخزعبلات التي لا تقدم ولا تؤخر ونبثها على الهواء مباشرة في ديكور مكفهر ومقيت لم تستطع خضرة العلم الوطني الذي تحول إلي "فوكوجاي" شعبوي أن تلطفه.
موسم الهجرة إلى الوطن يأتي نوفمبر محملا بالشجن الذي تغلفه الطبيعة الصحراوية الجافة ،يأتي بعد شهور من غياب المشترك والتيه في برزخ من التجاذبات السياسية، يأتي ولاشيء يؤسس لمظلة نشترك فيها جميعا غير جيل يعيش قطيعة مع ماض وصله مشوها فاختار أن ينأى بنفسه عن كل ذلك ويبدأ سير رحلته من جديد...
نشرت قبل أسبوع قائمة تحويلات ديبلوماسية جديدة شملت سفارات مهمة .. ولا بد أن تكون لهذه التحويلات مسوغاتها التي لا تناقش لكن لها أيضا لا منطقيتها وعبثيتها التي تستحق نقاشات معمقة .. فقد كان الموريتانيون ينتظرون تفعيل الديبلوماسية الموريتانية وغربلة القطاع ووضع إستراتيجيات وتحديد أهداف وتفعيل مسارات ..
غريب أمر الحوار السياسي الموريتاني الذي يطالب به الجميع موالاة و معارضة جِهَارًا نهارا كما يُسِرُ بعضهم إلي بعض القول بأنه الطريق الشرعي،الممكن، الأوحد و الوحيد إلي تطبيع المشهد السياسي الوطني و استعادة الثقة بين "الخُلَطَاءِ السياسيين".
تعاني موريتانيا من عدة أزمات أصبحت تهدد بقاءها و تعايش مكوناتها الاجتماعية، حولتها إلى مجتمع مريض، يطحنه الفقر و الجهل و التخلف و تتجاذبه تيارات العنف الفئوي و السياسي و الاجتماعي: انفلات الأمن، تفشي جرائم العنف بكل أنواعها، التصادم الفئوي المتصاعد و تراجع كامل بكل ملامح الانهزام لأي دور إيجابي للسلطة .
تأسيسا على الوقائع الكلامية والمواقف المعلنة والمظاهر يقترب الحوار، فالمعاهدة والمنتدي أعربا عن تقارب في وجهات النظر .. والموالاة تكرر دعوات وفد المنتدى للتشاور بشأن الحوار .. والمنتدى "يلطف" محدداته ويطالب بأن تبدأ الأمور من حيث انتهت.
رغم أن الحدث هو ذاته منذ أربعين سنة خلت، والاحتفالات ظل دورية بدون انقطاع منذ أربعة عقود، إلا أن الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، والتي حلت أمس الجمعة، لم تكن كسابقاتها، لا من حيث الزيارة الملكية للأقاليم الجنوبية بالتزامن مع الذكرى، ولا من حيث السياق الزمني الجديد الحافل بتعزيز الجهوية المتقدمة بعد انتخابات حرة ونزيهة كرست آخر